الطلب منهم مع ضرورة حاجتهم إلى إمام علم أنه قد أغناهم بالبيان الذي علمه الشاهد والغائب ، وما هو إلّا نص الغدير ونحوه ، فيكون أمير المؤمنين عليّ هو الإمام ، ولا يمكن أن يكون تشريع جواز ترك الاستخلاف سببا لترك النبيّ النص كما زعموا ، لأنّ من فوائد التشريع اتباع الناس للنبيّ المشرّع في فعله ، وبالضرورة لم يتفق عند أحد من الملوك أو الخلفاء ـ الذين تعاقبوا زورا على سدة الخلافة الإسلامية ـ أن ترك النص على من بعده عملا بالسنّة.
هذا مضافا إلى أن الله تعالى قد أكمل دينه وأتم نعمته في غدير خم بقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١).
ومن المعلوم أن الإمامة من تمام الدين ، فمن زعم أن الله تعالى لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله ، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر ، ولو ذهب النبيّ ولم يعيّن خليفة لدل على أن الدين لم يكتمل ، وأن النعمة لم تتم ، وذلك بسبب حصول الخلاف والشّقاق بين المسلمين من جراء السقيفة وتعنت أصحابها وقمعهم للمخالفين لها.
الخامس : كون الإمام أفضل الرعية.
أي يجب أن يكون الخليفة أو الإمام أفضل الرعيّة علما وعملا ، وغير أمير المؤمنين عليهالسلام من الثلاثة لم يكونوا كذلك ، فتعيّن كونه عليهالسلام هو الإمام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أما أن الإمام لا بدّ أن يكون أفضل فلأنه لو لم يكن أفضل لا يخلو إما أن يكون مساويا أو مفضولا ، فأما المساوي فيستحيل تقديمه لأنه يفضي إلى الترجيح بلا مرجح ، وأما المفضول فترجيحه على الفاضل يبطله العقل لحكمه بقبح تعظيم المفضول وإهانة الفاضل ، ورفع مرتبة المفضول ، وخفض مرتبة الفاضل ، وهو بديهي عند العوام فضلا عن الخواص.
__________________
(١) سورة المائدة : ٣.