وكثرة الثواب والخصال الحميدة مستجمعة فيه صلوات الله عليه ، أما كثرة الثواب فلظهور أنه مترتب على العبادة ، وبكثرتها وقلتها تتفاوت كمية الثواب والجزاء زيادة ونقصانا ، كما أن سيرته عليهالسلام تشهد على أنه أعبد الكل ، فيكون أكثر مثوبة ، ولو لم يكن له من العبادات إلّا ضربته يوم الخندق التي قال فيها رسول الله : «إنها أفضل من عبادة الثقلين» لكفى في إثبات هذا المرام فضلا عن سائر عباداته التي لا يضبطها الدفاتر والصحف ولا تحصيها الزبر والطوامير.
وأما الخصال الحميدة والفضائل النفسانية وسائر جهات الفضل فكثيرة جمة يعجز الجن والإنس عن إحصائها ، إذ كل نفس من أنفاسه الطاهرة معجزة وفضيلة ، كانت من الله وإلى الله تعالى ، ومن كان كله لله فكيف يمكن إحصاء فضائله؟!
من هنا أشار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى هذا الأمر بقوله كما روى الخطيب الخوارزمي : «لو أن الرياض أقلام والبحر مداد والجن حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالبعليهالسلام».
السادس : الوصية عند العقلاء.
اتفق العقلاء من كل دين حتى عند عبدة الأوثان أن يوصوا بحفظ أمور دينهم ودنياهم بعد مماتهم ، وهذه الوصية مما اقتضتها أحكام الفطرة والعقل والشرع.
أما كونها من أحكام الفطرة فلأن البشر مجبولون بالفطرة على أن يشرفوا على أعمالهم بأنفسهم ، ووفقا لما ترتئيه عقولهم وأهواؤهم ، فلا يحب الإنسان أن يشاركه غيره في قراره وما تهواه نفسه ، فهو لا يريد أن يفلت زمام أموره من يده فتكون بيد شخص آخر غريب عنه ، وهذه الرغبة لا تنتهي عند ساعة الاحتضار بل تمتد إلى ما شاء الله من عمر الزمن ما دام الإنسان يشاهد آثاره شاخصة بعد الموت ، لذا نراه يوصي إلى غيره لينجز له أعماله التي عجز عن تحقيقها في حياته
__________________
ـ ذلك من كلامه في شرح الخطبة الشقشقية عند قوله : أرى تراثي نهبا ، وهذا توهم فاسد صدر من ناصب عنيد ، وقد أجاد أستاذه النقيب أبو جعفر حينما قال له : أبيت إلا ميلا إلى المعتزلة. لاحظ شرح النهج ج ١٢ / ٢٤٨.