يقيّد الآية المباركة في مدلولها ، حتى يعود معنى قوله (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) إلى مثل قولنا : وأطيعوا أولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم ، وإن علمتم خطأهم فقوّموهم بالرد إلى الكتاب والسنّة ، مع أنه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة كقوله تعالى في الوالدين : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) (١) فما باله لم يظهر شيئا من هذه القيود في آية تشتمل على أس أساس الدين ، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية؟ على أن الآية جمع فيها بين الرسول وأولي الأمر ، وذكر لهما معا طاعة واحدة فقال : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولا يجوز على الرسول أن يأمر بمعصية أو يغلط في حكم ، فلو جاز شيء من ذلك على أولي الأمر لم يسع إلّا أن يذكر القيد الوارد عليهم ، فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أي تقييد ، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أولي الأمر كما اعتبر في جانب رسول الله من غير فرق.
الوجه الثالث :
إن المراد من «أولي الأمر منكم» هم العلماء العدول العارفون بمحتويات الكتاب والسنة معرفة كاملة ، واستدل أصحاب هذا الرأي بعموم اللفظ الوارد في «أولي».
قال ابن كثير : والظاهر ـ والله أعلم ـ أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء(٢).
والجواب :
١ ـ ما أشكلناه على الوجه الثاني ، يجري بعينه هنا.
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٨.
(٢) تفسير القرآن العظيم ج ١ / ٤٤٥.