ومحتواها وأصولها وأعراقها هل تنتهي الأسباب العاملة فيها إلّا ما رآه أهل الحل والعقد من الأمة ثم حملوا ما رأوه على أكتاف الناس؟ فلا مناص من القول بأن أهل الحل والعقد على حدّ سائر الناس يصيبون ويخطئون ، فإذا كانوا كذلك فكيف يمكن القول أنهم معصومون؟!!
رابعا : مع أن المنصرف من «أولي الأمر» من له الزعامة ، أن ظاهر الآية إفادة عصمة كل واحد منهم لا مجموعهم ، لأن ظاهرها إيجاب طاعة كل واحد منهم ، مع أن العمل بمقتضى الإجماع ليس من باب الطاعة لهم كمجمعين بل من باب أنهم يكشفون عن رأي المعصوم ، فالطاعة حينئذ له وليس لهم ، وبما أن الرازي وجماعته لا يؤمنون بوجود معصوم بعد وفاة النبي سوى ما ادعاه من عصمة الإجماع ، فكيف يكون المجمعون حينئذ معصومين لأنه إذا جاز الخطأ على كل واحد واحد جاز على الكل.
وعلى هذا الأساس تواجه هذه التفاسير إشكالات ومآخذ تقدمت معنا ، ويبقى التفسير الخامس سليما من جميع الاعتراضات السابقة لموافقة هذا التفسير (أي أن أولي الأمر هم المعصومون) لوجوب الإطاعة لله ولرسوله ، لأن مقام العصمة يحفظ الإمام من كل معصية ويصونه عن كل خطأ ، وبهذا يكون أمره مثل أمر الرسول واجب الإطاعة من دون قيد أو شرط ، فإطاعة الإمام هي نفس إطاعة الرسول من دون تكرار لفظ «أطيعوا» ، لأن العطف بالواو يقتضي الجمع والمشاركة في الحكم ، ومعنى هذا أن أمرهم هو أمره ، ولا شك أن هذه المرتبة السامية لا تكون إلّا لمن اتصف بما يؤهله لها ، ولا شيء يؤهله لذلك إلّا العصمة عن الخطأ والسهو والمعصية ، فهي وحدها التي تجعل طاعته وطاعة الرسول سواء.
والعصمة منحة إلهية يختص الله بها من ارتضى من عباده ، ولا يرتضي إلا من كان أهلا لذلك ، ونقصد بالعصمة الطهارة الذاتية لا الاكتسابية بحيث تكون مع المعصوم منذ ولادته إلى وفاته لا تفارقه أبدا ، وعليه ينحصر الطريق إلى معرفة العصمة بالوحي فقط ، وقد ثبت النص كتابا وسنة على عصمة أهل البيت عليهمالسلام ،