تنهض دليلا على المدّعى ولا تقاوم الروايات المتواترة المروية بطرق صحيحة وعالية ، فلو دار الأمر بين طائفة الآحاد من الأخبار وبين طائفة المتواتر منها لرجّحنا المتواترة على الآحادية ، وهذا متفق عليه عند عامة علماء الرجال ، ومن فعل العكس فهو أرعن لا يفقه شيئا من علم الرجال ومعايير التعادل والتراجيح.
ثانيا : إن الأخذ بهذا الوجه يستدعينا إلى تقييم موضوعي لآراء عكرمة وأقواله ، ودوافعه النفسية فيها ، فالرجل معروف بانتمائه إلى الخوارج ، وللخوارج موقف معروف مع أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، فلو التزم بنزول الآية في أهل البيت بما فيهم الإمام عليّ ، لكان عليه القول بعصمته ، ولأهار على نفسه أسس عقيدته التي سوّغت لهم الخروج عليه ومقاتلته ، وبررت لهم قتله.
فعكرمة خارجي المعتقد ، معروف بعدائه للإمام عليّ وبتكفيرهم له عليهالسلام. وقد اشتهر بكذبه على مولاه ابن عبّاس ، وكان الموالي يحذّرون عبيدهم من الكذب عليهم ، ويتمثلون بكذب عكرمة على مولاه حتى كان يضرب المثل فيه ، وهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامه ـ واسمه برد ـ «يا برد لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس ، وعن ابن عمر قال ذلك أيضا لمولاه نافع» (١).
ويشهد لما قلنا من أنه كان أباضيا وكذّابا جسورا كلمات علماء الجرح والتعديل فيه ، فها هو الذهبي يفيض كتابه بذكر مثالب عكرمة حيث قال : «عكرمة ، مولى ابن عباس ، وثّقه جماعة واعتمده البخاري ، وأما مسلم فتجنّبه ، وروى له قليلا ، وأعرض عنه مالك وتحايده إلّا في حديث أو حديثين.
قال عنه يحيى بن سعيد الأنصاري : إنه كذّاب.
وعن عبد الله بن الحارث قال : دخلت على عليّ ابن عبد الله فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش ، فقلت له : ألا تتقي الله! فقال : إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
__________________
(١) ميزان الاعتدال ج ٣ / ٩٦.