المقام مقام عمل وإنما هو مقام مدح وثناء وإبراز فضيلة نتيجة علمه عزوجل بأنهم لن يعصوه أبدا.
الإشكال الثاني :
إن القول بالإرادة التكوينية يجرّنا إلى الالتزام بالجبر وسلب الإرادة عن أهل البيت فيما يصدر عنهم من أفعال ما دامت الإرادة التكوينية هي المتحكّمة في جميع تصرفاتهم ، ونتيجة ذلك حتما حرمانهم من الثواب ، لأنه وليد إرادة العبد ، كما تقتضيه نظرية التحسين والتقبيح العقليين ، وهذا ما لا يمكن أن يلتزم به مدعو الإمامة لأهل البيت عليهمالسلام.
والجواب :
١ ـ إن ما يذهب إليه الشيعة الإمامية هو مسلك الأمر بين الأمرين أي لا جبر ولا تفويض ، بمعنى أن جميع أفعال العبيد وإن كانت مخلوقة لله عزوجل ومرادة له بالإرادة التكوينية لامتناع جعل الشريك له في الخلق ، إلا أن خلقه لأفعالهم إنما هو بتوسط إرادتهم الخاصة غالبا وفي طولها ، لأن الله تعالى هو من أعطى القدرة للعبد الذي من خلال ما أعطاه الله من القدرة يطيع ويعصي ، وبذلك صححوا نسبة الأفعال للعبيد ونسبتها لله فهي مخلوقة لله عزوجل حقيقة لكونه واهب القدرة ، وهي صادرة عن إرادة العبيد حقيقة أيضا لكونها صادرة عنهم باختيارهم ، وبذلك صححوا الثواب والعقاب ، وذهبوا إلى الحل الوسط الذي أخذوه من أقوال أئمتهم عليهمالسلام : لا جبر ولا تفويض وإنّما هو أمر بين أمرين.
وبهذا سلموا من مخالفة الوجدان في نفي الإرادة وسلبها عنهم كما هو مفاد مذهب القائلين بالجبر ، كما سلموا من شبهة المفوّضة في عزل الله عن خلقه ، وتفويض الخلق لعبيده استقلالا عن الله عزّ اسمه ، كما هو مذهب المفوّضة.
وبناء على هذا النظرية يكون مفاد الآية أن الله عزوجل لمّا علم أن إرادتهم تجري دائما على وفق ما شرعه لهم من أحكام ، بحكم ما زوّدوا به من إمكانات