«النّجس والنّجس : القذر من الناس ومن كل شيء قذرته ، وقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) أي أنجاس أخباث وفي الحديث : أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من النّجس الرّجس الخبيث المخبث» (١).
فالرجس نقصان ، تارة يكون النقصان ماديا وأخرى معنويا ، فالنقصان المادي كقبح المنظر وعاهات الجوارح كحول العينين وقطع اليد والعرج والبرص والجذام وغيرها ، ونقصان الطبائع أو نجاسة ما يتأسس منه البدن.
والنقصان المعنوي كخفة في العقل وعدم العلم بالشيء كالجهل بشتى صوره سواء أكان جهلا بالموضوعات الصرفة أم بالتي لها علاقة بالأحكام الشرعية ، وكذا السهو والنسيان والغفلة والتفكر بالذنب وغيرها ، كل ذلك يعدّ رجسا نزههم عنه المولى عزوجل بإرادته التكوينية لكونهم أهلا لذلك لشدة قربهم منه عزوجل وسعة قابلياتهم.
ولا يخفى أن نجاسة الدم والبول والغائط والمنيّ كلها داخلة ومندرجة في «الرّجس المادي» المنفي عنهم صلوات الله عليهم لعموم إذهاب الرجس عنهم حيث لا تقييد له ولا تخصيص.
وتقييد الرجس بالمعنوي دون المادي يعتبر خروجا عن التقسيم القرآني للرّجس الشامل للمادي أيضا بل يعتبر تقييدا أو تخصيصا من دون دليل معتبر ، وعليه يكون بمثابة الاجتهاد في مقابل النص وهو محرّم قطعا.
فالرّجس ذو مراتب متعددة متفاوتة ، مادية ظاهرية ومعنوية باطنية ، يتصف به العمل كما يتصف به المتلبس بذلك العمل ، ويتعلق بالاعتقادات الباطلة كما يتعلق بالأخلاق والسلوك والملكات ، بل حتى بتعلق القلب وتوجه النفس.
وحيث إن ذيل الآية المباركة يشير إلى طهارة أصحابها بقوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وهذه الطهارة تشمل كل المراتب الثابتة للرجس المنفي عنهم ،
__________________
(١) لسان العرب ج ٦ / ٢٢٦.