وأما النقطة الثانية :
وهي : هل هذه المحاورة حقيقة خارجيّة أم نظرية افتراضية؟
والجواب :
وافق بعض المحقّقين (١) على الثاني معتمدا على جملة قرائن ارتقت به إلى درجة الاطمئنان ، ونحن إذ نجلّ ونحترم رأيه ، لكننا ملزمون بمناقشة ما أورده ، لعدم صلوح تلك الإيرادات لتكون بمجموعها دليلا أو قرائن متعدّدة ترقى به إلى افتراضية المحاورة ، أو نفي حصولها في بغداد!
ونحن لا نستبعد صحة حصول المحاورة في بغداد وذلك للأمور التالية :
أولا : إنّ احتمال كون الكتاب لمقاتل بن عطيّة مقدّم على احتمال أن يكون قد وضعه بعض من تأخّر عنه ، لأن الاحتمال الأول أقوى من الاحتمال الثاني المبني على أصالة العدم ، ولابنتائه ـ أي الأول ـ على معلوم الحال بعكس الثاني المبتني على مجهول الحال. ولو فرضنا تساوي الاحتمالين ـ مع أنهما ليسا بمتساويين ـ فحينئذ يتساقطان ، إلّا إذا وجدت قرائن تفيد الاطمئنان على الوقوع أو عدم الوقوع.
ثانيا : اعتراف كل من أرّخ عن ملكشاه ونظام الملك حبّهما للعلم والعلماء ، لا سيما نظام الملك الذي عرف مجلسه بالقرّاء والفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح ، ولا شك أنّ كثرة ملازمة العلماء والخوض مع الفقهاء وأئمة المسلمين يدفع بالفرد إلى حبّ الاستطلاع والتحرّي عن الحقيقة.
ثالثا : إنّ شدة مواظبتهما على زيارة مشاهد الأئمة في العراق ومشهد الإمام الرضا عليهالسلام في إيران لدلالة ساطعة على تشيّعهما ؛ فقد أرّخ ابن الأثير
__________________
(١) هو أخي العلّامة السيد جعفر مرتضى سدّده المولى ، ذكر هذه الإيرادات في الفصل الأخير من الجزء الأول لكتاب «مأساة الزهراء (ع)».