اليهود وشدتهم حتى انتهى إلى وقائع خيبر وغيرها.
وخلاصة الأمر : أنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يخاف من منافقي قومه أن يكذّبوه في ابن عمه أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام وأن يقلبوا الأمر على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بحيث تنهدم أركان ما بناه من بنيان الدين وتتلاشى أجزاؤه ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يتفرس ذلك ويخافهم على دعوته فيؤخر تبليغه إلى حين بعد حين ليجد له ظرفا صالحا وجوا آمنا عسى أن تنجح فيه دعوته ، ولا يخيب مسعاه فأمره الله تعالى بتبليغ عاجل ، وبيّن له أهمية الحكم ، ووعده أن يعصمه من الناس ، ولا يهديهم في كيدهم ، ولا يدعهم يقلّبوا له أمر الدعوة.
وإنما يتصور تقليب أمر الدعوة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبطال عمله بعد انتشار الدعوة الإسلامية لا من جانب المشركين ووثنية العرب وغيرهم كأن تكون الآية نازلة في مكة قبل الهجرة ، وتكون مخافة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الناس من جهة افترائهم عليه واتهامهم إياه في أمره كما حكاه الله سبحانه في آيات مكيّة من قولهم (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) (الدخان : ١٤) وقولهم (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (الطور : ٣٠) وقولهم (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (الذاريات : ٥٢) وقولهم (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (الإسراء : ٤٧) وقولهم (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) (المدثر : ٢٤) وقولهم (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان : ٥) وقولهم (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) (النحل : ١٠٣) وقولهم (امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) (ص : ٦) إلى غير ذلك من أقاويلهم فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فهذه كلها ليست مما يوجب وهن قاعدة الدين ، وإنما تدل ـ إذا دلت ـ على اضطراب القوم في أمرهم ، وعدم استقامتهم فيه ، على أن هذه الافتراءات والمرامي لا تختص بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى يضطرب عند تفرّسها ويخاف وقوعها فسائر الأنبياء والرسل يشاركونه في الابتلاء بهذه البلايا والمحن ، ومواجهة هذه المكاره من جملة أممهم كما حكاه الله تعالى عن نوح ومن بعده من الأنبياء المذكورين في القرآن.