مِنَ النَّاسِ) إلّا أن يكون النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يماطل في إنجاز التبليغ خوفا من الناس على نفسه أن يقتلوه فيحرم الحياة أو أن يقتلوه ويذهب التبليغ باطلا لا أثر له ، فإن ذلك كله لا سبيل إلى احتماله لأن الآية بسياقها لا تصلح أن يكون نزولها في بدء البعثة للزوم اللغوية من حيث عدم تبليغه لكل الأحكام في أول البعثة لفقدان المبررات الموضوعية لذلك ، ولأن كلمة «أنزل» فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ـ الله ـ والتقدير : بلّغ جميع ما أنزله الله إليك.
كما أن إعراب قوله «.. بلّغت» هو : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المخاطب ، والتاء : ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل.
فالكلمتان «أنزل ـ وبلّغت» تفيدان الماضوية بمعنى أن هناك أحكاما قد نزلت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والحكم اللاحق أهم من الأحكام السابقة ، فإذا لم يبلّغ الحكم اللاحق كأنه ما بلّغ الأحكام السابقة ، وأين هذا من الدعوى القائلة بأنّ آية التطهير نزلت في بدء البعثة؟
مضافا إلى أن آيات أول البعثة خالية من التهديد كما في قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (سورة العلق : ١) إلى آخر السورة ، وقوله (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ) (سورة المدثر : ١ ـ ٢).
الإشكال الثالث :
أن المراد بما أنزل إليه من ربه هو أصل الدين أو مجموعه ، والمعنى : يا أيّها الرسول بلّغ الدين وإن لم تبلّغ الدين فما بلّغت الدين ، وقد خرج هذا على قانون قوله :
أنا أبو النجم وشعري شعري (١)
__________________
(١) تفسير الرازي ج ١٢ / ٤٩.