اليهود وسائر أهل الكتاب ، هذا مع أن اليهود حين نزول سورة المائدة قد كسرت شوكتهم وخمدت نيرانهم ، فلا معنى لخوف رسول الله منهم في دين الله ، كما لا معنى حينئذ لتقريره تعالى لنبيه خوفه منهم ، ولا لاضطراب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في تبليغ أمر الله إليهم ، وعليه فلا ينبغي الشك في أن الآية لا تشارك الآيات السابقة عليها واللاحقة لها في سياقها ، بل هي آية مفردة نزلت في تبليغ أمر الخلافة ، وهي ظاهرة في أن هناك أمرا هاما قد أمر الله نبيه بتبليغه إلى الناس ، وكان النبيّ يخافهم لأنه ثقيل على أنفسهم ، فكان يؤخر تبليغه إلى حين بعد حين ليجد له ظرفا صالحا وجوا آمنا عسى أن تنجح فيه دعوته ، ولا يخيب مسعاه ، فأمره الله تعالى بتبليغ عاجل ، وبيّن له أهمية الحكم ، ووعده أن يعصمه من الناس ، ولا يهديهم في كيدهم ، ولا يدعهم يقلبوا له أمر الدعوة ، بل هدّده سبحانه على الترك بقوله (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ).
فلا يكون المراد من الأمر المهم الذي أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بتبليغه إلا ولاية مولى الثّقلين أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يخشى إذا نصّ على خلافة ابن عمه أن يتّهم بالمحاباة والتحيّز له ، كما وقع هذا الاتهام من الحارث بن النعمان الفهري ، ويخاف النبيّ أن يتخذ المنافقون من هذا النص مادة للدعاية ضده والتشكيك في نبوته وعصمته.
ومن البديهي أنّ مثل هذه الدعاية يتقبلها البسطاء والسذج من المؤمنين فضلا عن غيرهم كالمنافقين الذين هم أشدّ خلق الله فتكا بالإسلام والمسلمين ، والتاريخ الإسلامي حافل بمكرهم ، والآيات القرآنية ناطقة بحيلهم ومؤامراتهم ، وكان تفرس النبيّ بمكرهم في محله ، حيث سجّل لنا التاريخ ما جرى على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من العداء المستحكم من قبل الفهري المعادي للإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام حيث مزّقه الحقد حينما بلغه حديث الغدير وتعيين النبيّ بأمر من الله تعالى للإمام عليّ عليهالسلام خليفة بعده ، فأتى رسول الله لكي ينتقد على هذه الخطوة المباركة ، وقال عند وصوله إلى النبيّ : يا محمّد أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله فقبلنا ،