والعجب ممن زعم (١) أن حديث الغدير ما أخرجه إلّا أحمد بن حنبل في مسنده وهو مشتمل على الصحيح والضعيف.
وكأن هذا القائل لم يقف على تأليف غير مسند أحمد ، أو أنه لم يوقفه السير على الأسانيد الجمّة الصحيحة والقويّة في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها ، وكأنه لم يطّلع على ما أفرده الأعلام بالتأليف حول أحمد وسنده أو لم يطرق سمعه ما يقوله السبكي في طبقاته ج ١ / ٢٠١ من أن أحمد ألّف مسنده وهو أصل من أصول هذه الأمة ، قال الحافظ أبو موسى المديني : «مسند الإمام أحمد أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ، انتقى من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة ، فجعل إماما ومعتمدا وعند التنازع ملجأ ومستندا على ما أخبرنا والدي وغيره بأن المبارك بن عبد الجبار كتب إليهما من بغداد قال : أخبرنا ثم ذكر السند من طريق الحافظ ابن بطة إلى أحمد أنه قال : إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلّا ليس بحجة ، وقال عبد الله : قلت لأبي : لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال : عملت هذا الكتاب إماما إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول الله رجع إليه. وقال : قال أبو موسى المديني : ولم يخرج إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته ، وأحمد لم يورد في مسنده إلّا ما صحّ عنده.
وهذا الحافظ السيوطي يقول في ديباجة «جمع الجوامع» كما في كنز العمال ج ١ / ٣ : وكلّ ما في مسند أحمد فهو مقبول ، فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن. فهب أنّا سالمنا من يلوك بين أشداقه إنه ما أخرجه إلّا أحمد في مسنده ولكن ما ذنب أحمد؟ وما التبعة على المسند إن كان هذا الحديث ـ أي الغدير ـ من قسم الصحاح من رواياته؟ على أنه ليس من الممكن مسالمته على تخصيص الرواية
__________________
(١) المدّعي هو محمد محسن الكشميري في «نجاة المؤمنين» على ما حكاه العلّامة الأميني في غديره ج ١ / ٣١٦.