بأحمد وأولئك رواته أمم من أئمة الحديث أدرجوه في الصحاح والمسانيد وأخرجوه ثقة عن ثقة ، ورجال كثير من أسانيده رجال الصحيحين.
هذا مضافا على أن المدّعي تخصيص الحديث بمسند أحمد وتضعيفه له من أجل ذلك لم ينصب لنا قرينة على مدعاه ووجه تضعيفه له.
وبهذا يندفع ما أورده صاحب الشبهة المذكورة ، كما يندفع قول من قال : إن حديث الغدير نقل في غير الكتب الصحاح ، ذاهلا عن أن الحديث أخرجه الترمذي في صحيحه ، وابن ماجة في سننه ، والدارقطني بعدّة طرق ، وضياء الدين المقدسي في المختار ووو .. وقد مرّ معنا ما ذكره الشيخ محمّد الحوت البيروتي الشافعي في أسنى المطالب : من أن حديث الغدير رواه أصحاب السنن غير أبي داود ورواه أحمد وصحّحوه والنسائي والحاكم وأمثاله.
من خلال هذا كله : تعرف قيمة قول من قدح في صحّته بعدم رواية الشيخين في صحيحيهما. فإن ما نقله جمهور العامة من الاتفاق على حسنه وتصحيحه لم يدع مجالا لمغمز ، فالمضعّف للحديث شاذ نادر ، والشاذ يترك ولا يجوز العمل به. هذا مضافا إلى أنه كم من حديث صحيح ما أخرجه الشيخان على حدّ تعبير الشيخ محمود بن محمّد الشيخاني القادري المدني في الصراط السويّ في مناقب آل النبيّ وقد تقدم ذكره. ويكفي للتدليل على ذلك أن الحاكم النيسابوري استدرك عليهما كتابا ضخما لا يقلّ عن الصحيحين ، وصافقه على كثير مما أخرجه الذهبيّ في الملخّص ، وتجد في تراجم العلماء مستدركات أخرى على الصحيحين.
وهذا الحاكم النيسابوري يقول في المستدرك ج ١ ص ٣ : لم يحكما [يعني البخاري ومسلم] ولا واحد منهما بأنّه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه. وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشتمون برواة الآثار بأن جميع ما يصحّ عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث ، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقلّ أو أكثر منه كلّها سقيمة غير صحيحة. وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المرويّة