وعاديتك على سفكك الدماء ، وشقّك العصا ، وجورك في القضاء وحكمك بالهوى.
والواقف على موارد الحجاج بين أفراد الأمة وفي مجتمعاتها وفي تضاعيف الكتب منذ ذلك العهد المتقادم إلى عصورنا هذه جدّ عليم بأن القوم لم يفهموا من الحديث إلّا المعنى الذي يحتج به للإمامة المطلقة وهو الأولويّة من كل أحد بنفسه وماله في دينه ودنياه الثابت ذلك لرسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ولخلفائه الذين نصّ عليهم بأمر من الله تعالى.
القرينة العاشرة :
إن ذيل الحديث وهو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» وفي جملة من طرقه بزيادة قوله : «وانصر من نصره ، واخذل من خذله» قرينة على المدّعى بوجوه لا تلتأم إلّا مع معنى الأولويّة الملازمة للإمامة.
الوجه الأول :
إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا صدع بما خوّل الله سبحانه وصيّه من المقام الشامخ بالرئاسة العامّة على الأمة جمعاء ، والإمامة المطلقة من بعده ، كان يعلم بطبع الحال أنّ تمام هذا الأمر بتوفر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال مع علمه بأن في الملأ من يحسده كما ورد في الكتاب العزيز (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (١) وفيهم من يحقد عليه ، وفي زمر المنافقين من يضمر له العداء لأوتار جاهلية ، وستكون من بعده هناة تجلبها النهمة والشره من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء ، ولا يدع الحقّ الإمام عليّا عليهالسلام أن يسعفهم بمبتغاهم لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلّبون عليه ظهر المجن ، وقد أخبر صلىاللهعليهوآلهوسلم مجمل الحال بقوله : إن تولوا عليّا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق
__________________
(١) أخرج ابن المغازلي في المناقب ، وابن أبي الحديد في شرحه ج ٢ / ٢٣٦ والحضرمي الشافعي في الرشفة ص ٢٧ : أنها نزلت في الإمام عليّ وما خصّ به من العلم.