الوجه الثالث :
إنّ الأنسب بهذا الدعاء الذي ذيّل صلىاللهعليهوآلهوسلم به كلامه ، ولا بدّ أنه مرتبط بما قبله أن يكون غرضه صلىاللهعليهوآلهوسلم بيان التكليف على الحاضرين من فرض الطاعة ووجوب الموالاة ، فيكون في الدعاء ترغيب لهم على الطاعة والخضوع له ، وتحذير عن التمرد والجموح تجاه أمره ، وذلك لا يكون إلّا إذا نزّلنا المولى بمعنى الأولى ، بخلاف ما إذا كان المراد به المحب أو الناصر فإنه حينئذ لم يعلم إلّا أنّ الإمام عليّا عليهالسلام محب من يحبّه رسول الله أو ينصر من ينصره ، فيناسب إذن أن يكون الدعاء له إن قام بالمحبة أو النصرة لا للناس عامّة إن نهضوا بموالاته ، وعليهم إن تظاهروا بنصب العداء له ، إلّا أن يكون الغرض بذلك توكيد الصلات الوديّة بينه وبين الأمة إذا علموا أنه يحب وينصر كلّ فرد منهم في كل حال وفي كل زمان ، كما أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كذلك فهو يخلّفه عليهما ، وبذلك يكون لهم منجاة من كل هلكة ، ومأوى من كل خوف ، وملجأ من كل ضعة ، شأن الملوك ورعاياهم ، والأمراء والسوقة ، فإنهما في النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على هذه الصفة ، فلا بد أن يكونا فيمن يحذو حذوه أيضا كذلك وإلّا لاختلّ سياق الكلام ، فالمعنى على ما وصفناه بعد المماشات مع القوم متحد مع معنى الإمامة ، ومؤد مفاد الأولى.
القرينة الحادية عشر :
إن قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما جاء بلفظ جرير وزيد بن أرقم وعامر بن ليلى ، وفي لفظ حذيفة بن أسيد بسند صحيح : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمّدا عبده ورسوله؟ (إلى أن قال) : قالوا : بلى نشهد بذلك. قال : اللهم اشهد ثم قال : يا أيّها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، فإن وقوع الولاية في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة وسردها عقيب المولويّة المطلقة لله سبحانه ولرسوله من بعده لا يمكن إلّا أن يراد بها معنى الإمامة الملازمة للأولوية على الناس منهم بأنفسهم.