«إن هذه الحادثة تكشف ـ من جانب آخر ـ عن مدى الشجاعة الروحية التي كان يتحلّى بها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام حيث قام ـ في مجلس أحجم فيه الشيوخ الدهاة والسادة المجربون عن قبول دعوة النبيّ خوفا وتهيبا أو عدم اعتقاد بما جاء به النبيّ ـ وأعلن بكل شجاعة مؤازرته للنبيّ واستعداده للتضحية في سبيل دينه ورسالته وهو آنذاك غلام في ربيعة الثالث أو الخامس عشر ، وما حابى أعداء الرسالة ولا ماشاهم كم فعل المصلحون من الساسة والزعماء المتخوّفون على مصالحهم ومراكزهم آنذاك!!
صحيح أن عليّا عليهالسلام كان في ذلك اليوم أصغر الحاضرين سنا إلّا أن معاشرته الطويلة للنبي قد هيأت قلبه لتقبّل الحقائق التي تردّد شيوخ القوم في قبولها ، بل عجزوا عن دركها وفهمها» (١).
يرد على ذيل الكلام الأخير :
إنّ قوله «لو لا معاشرة الإمام عليّ الطويلة للنبيّ لم يكن قلبه مهيئا لتقبل الحقائق» غير صحيح وذلك لقيام الأدلة القطعية على عكس مدّعاه ، لأن معارف الإمام الحجّة من الله تعالى على عبيده ليست كسبية أو تمرينية يتلقاها عبر الأساتذة والمعلّمين ، بل إن قلبه مرآة الحق تنعكس عليها أشعة الفيض الإلهي منذ كان الإمام عليهالسلام فطيما بل مذ كان أول خلق الله تعالى.
فعجبا من كلام المحقّق المذكور كيف ينسب الضعف لقلب أمير المؤمنين حتى صارت معاشرته لرسول الله سببا لتلقيه المعارف والحقائق وها هو الخضر عليهالسلام لم يكن معاشرا لرسول الله وقد أفاض الله تعالى عليه من لدنه علما وحباه المولى عزوجل قوة قلب كانت وما زالت مضرب مثل في القرآن الكريم لكل سالك وعارف ، ولو لا ما كان يملك الخضر من شدة قابلية وسعة قلب لما أعطاه الله ما لم يعط موسى بن عمران كليم الله تعالى؟!
__________________
(١) سيّد المرسلين للسبحاني ج ١ / ٣٩٧.