استحقاقهم لنيل الرحمة والغفران ، وليس هذا إلا انتقاصا منهم واستحقارا لشأنهم ، وإلّا لو لم يستتبع الانتقاص لا لاستتبع الإطراء والمديح ، وهذا لم يقل به أحد ، لأن اللعن لا يخلو من أمرين:
إما فيه مديح وإطراء ، وإما فيه انتقاص وازدراء ، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني لأن الطرد كما قلنا لا يعتبر عرفا ولغة مديحا حتى يقال : إنه لا يستتبع الانتقاص ، لذا جمع الكليني في أصوله روايات نزّلت اللعن منزلة السب. روى في باب السباب الحديث السادس عن أحدهما عليهالسلام قال : إن اللعنة إذا خرجت من في صاحبها تردّدت ، فإن وجدت مساغا وإلا رجعت على صاحبها.
فقد أقحم الكليني عليه الرحمة أخبار اللعن في باب السباب ، وذلك لوجود مشابهة بين المفهومين في بعض اللوازم كما لا يخفى عند التأمل.
من هنا نهى سبحانه المؤمنين أن يسبّوا الذين يدعون من دون الله لئلا يسبوا الله عدوا بغير علم (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١). فعلّة تحريم السب من أجل أن لا يتطفل المسبوبون على الله تعالى فيسبونه بغير علم.
من هنا أوصى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جماعة فقال لهم : «لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم». وغيرها من الروايات التي نهت عن سبّ وشتم معتقدات الكافرين لأن السبّ والشتم لا يمنعان أحدا من المضي في طريق الخطأ ، بل إن السب يزيد في تعصبهم وعنادهم ولجاجهم ، فيستسهلون إطلاق ألسنتهم بسب مقام الربوبية ومقام الأنبياء والأولياء عليهمالسلام.
الإيراد الثاني عشر : وهو أن الكتاب ذكر أن سورة عبس نزلت في عثمان كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، وصاحب الإيراد لم يرتض هذا
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٠٨.