شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى خشينا أن تنقطع رقابنا فكان الرجل يذهب ليلتمس الماء فلا يرجع حتى نظن أن رقبته ستنقطع ، وحتى كان الرجل ينحر بعيره فيعصره فرثه فيشربه ثم يجعل ما بقي على صدره فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : يا رسول الله! إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع الله لنا ، قال : «أتحب ذلك»؟ قال : نعم ، فرفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده فلم يرجعها حتى مالت السحاب فأظلت وأمطرت حتى رووا وملئوا ما معهم من الأوعية ، فذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (٦).
ومن أعلامه صلىاللهعليهوسلم : ما رواه مسلم الملالي عن أنس بن مالك قال : أتى أعرابي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله! لقد أتيناك وما لنا بعير يئط ولا صبي يصطبح ثم أنشد :
أتيناك والعذراء بدمي لبانها |
|
وقد شغلت أم الصبي عن الطفل |
وألقى بكفيه الصبي استكانة |
|
من الجوع ضعفا ما يمر ولا يحلي |
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا |
|
سوى الحنظل العامي والعلهز السفلي |
وليس لنا إلّا إليك فرارنا |
|
وأين فرار الناس إلّا إلى الرسل |
فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجر ردائه حتى صعد المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : «اللهم اسقنا غيثا مغيثا سحا طبقا غير رائث تنبت به الزرع وتملأ به الضرع وتحيي به الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون» ، فما استتم الدعاء حتى التقت السماء بأروقتها فجاء أهل البطانة يضجون : يا رسول الله! الغرق ، فقال : «حوالينا ولا علينا» ، فانجاب السحاب عن المدينة كالإكليل ، فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه وقال : «لله در أبي طالب لو كان حيا لقرّت عيناه من الذي ينشدنا شعره» ، فقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : يا رسول الله! كأنك أردت قوله :
وابيض يستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
يعوذ به الهلاك من آل هاشم |
|
فهم عنده في نعمة وفواضل |
__________________
(٦) أي كانت خاصة بهم لم تتجاوزهم.