الباب الثامن عشر
في مبادي نسبه وطهارة مولده صلىاللهعليهوسلم
لما كان أنبياء الله صفوة عباده وخير خلقه لما كلفهم من القيام بحقه استخلصهم من أكرم العناصر وأمدهم بأوكد الأواصر حفظا لنسبهم من قدح ولمنصبهم من جرح لتكون النفوس لهم أوطأ والقلوب لهم أصفى فيكون الناس إلى إجابتهم أسرع ولأوامرهم أطوع ولما تفرغ الملك عن إبراهيم واختصت النبوة بولده انحازت إلى ولد إسحاق دون إسماعيل فصارت في بني إسرائيل لكثرتهم بعد القلة وقوّتهم بعد الذلة ، فبدأت النبوة بموسى وانختمت بعيسى ، ولما كثر ولد إسماعيل وانتشروا في الأرض تميز بعد الكثرة ولد قحطان عن ولد عدنان واستولت قحطان على الملك انحازت النبوة إلى ولد عدنان ، فأول من أسس لهم مجدا وشيّد لهم ذكرا معد بن عدنان حين اصطفاه بختنصر (١) وقد ملك أقاليم الأرض وكان قد همّ بقتله حين غزا بلاد العرب فأنذره نبي كان في وقته بأن النبوة في ولده فاستبقاه وأكرمه ومكّنه واستولى على تهامة بيد عالية وأمر مطاع ، وفيه يقول مهلهل الشاعر :
غنيت دارنا تهامة بالأمس |
|
وفيها بنو معد حلولا |
ثم ازداد العز بولده نزار وانبسطت به اليد وتقدم عند ملوك الفرس واجتباه تستشف ملك الفرس وكان اسمه خلدان وكان مهزول البدن ، فقال
__________________
(١) من ملوك بلاد ما بين النهرين الآشوريين.