وسطوته وأزال عنه هيبته وقدرته وجعل قلبه مثل قلوب الحيوان فانحط عن سرير ملكه ونفاه أعوانه عنهم فسكن الفلوات يأكل حشيشها وابتل جسمه من قطر السماء حتى طال شعره وصارت أظفاره كمخاليب الطير حتى حال سبعة أحوال وهو في سكرة لا يدري الناس إلّا أنه كنوع من الحيوان الذي في صورة البشر إلى أن استنقذه الله تعالى من كربه فثاب إليه عقله وراجعه تمييزه فرجع ببصره إلى السماء معظما لله تعالى ومستجيرا به ومعترفا أن لا سلطان إلّا له يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء ، فطلبه قوّاده ليردّوه إلى سلطانه حتى وجدوه فأعادوه إلى دار عزه وأجلسوه على سرير ملكه فعاد إلى خوف الله تعالى ومراقبته وإلى ما كان عليه من جميل سيرته واستناب دانيال النبي في خلافته وتدبير ملكه إلى أن مضى لسبيله بعد إحدى وخمسين سنة من ملكه ودانيال على خلافته.
ومنهم من ملوك الفرس : كسرى أبرويز ، بلغ في الملك مبلغا عظيما وكان في قصره اثنتا عشر ألف جارية منهن للاستمتاع ثلاثة آلاف جارية وباقيهن للغناء والخدمة ، وكان في داره ثلاثة آلاف رجل يقومون بخدمته وكان له ألف فيل إلّا فيل ومن الخيل والبغال خمسون ألف رأس منها لمركبه ثمانية آلاف وخمسمائة ، وأمر أن يحصى ما اجتبى من خراج بلاده سنة ثمان عشرة من ملكه فكان ستمائة ألف ألف درهم وعدد على ابنه شيرويه بعد قبضه عليه أنه قال : أمرنا في سنة ثلاثين ملكنا بإحصاء ما في بيوت أموالنا سوى ما أمرنا بعزله لأرزاق الجند وكان من الورق أربعمائة ألف بدرة يكون فيها ألف ألف ألف مثقال وستمائة ألف ألف مثقال سوى ما أفاءه الله تعالى علينا وزادنا من أموال ملوك الروم في سفن أقبلت بها الريح إلينا قسمناه في الرياح ولم تزل تزداد أموالنا إلى سنتنا هذه وهي سنة ثمان وثلاثين من ملكنا وفيها قبض عليه ابنه حتى قتله ، وقد ذكر له ما جمع لأنه استطال واحتقر الناس.
فانظر أيها المعتبر بعقله في صنع الله تعالى وقدرته فيمن يبتليه اختبارا ويبلوه ازدجارا هل لما قضاه من دافع وفيما ابتلاه من مانع إلّا بلطف منه يؤتيه من يشاء وهو القوي العزيز.