بالزندقة أو مانع من الرجعة (١) ولكن لما أراده الله تعالى من ظهور الإسلام تأسيسا للنبوة وتعظيما للكعبة وأن يجعلها قبلة للصلاة ومنسكا للحج.
فإن قيل : فكيف منع عن الكعبة قبل مصيرها قبلة ومنسكا ولم يمنع الحجّاج من هدمها وقد صارت قبلة ومنسكا حتى أحرقها ونصب المنجنيق عليها ، فقال فيها على ما حكي عنه :
كيف تراه ساطعا غباره |
|
والله فيما يزعمون جاره |
وقال راميها بالمنجنيق :
قطارة مثل الفنيق المزبد |
|
أرمي بها أعواد كل مسجد |
قيل : فعل الحجّاج كان بعد استقرار الدين فاستغنى عن آيات تأسيسه ، وأصحاب الفيل كانوا قبل ظهور النبوة فجعل المنع منها آية لتأسيس النبوة ومجيء الرسالة على أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قد أنذر بهدمها فصار الهدم آية بعد أن كان المنع آية ، فلذلك اختلف حكمهما في الحالين والله تعالى أعلم.
ولما انتشر في العرب ما صنع الله تعالى بجيش الفيل تهيبوا الحرم وأعظموه وزادت حرمته في النفوس ودانت لقريش بالطاعة وقالوا : أهل الله قاتل عنهم وكفاهم كيد عدوهم ، فزادوهم تشريفا وتعظيما ، وقامت قريش لهم بالوفادة والسدانة والسقاية ، والوفادة : مال تخرجه قريش في كل عام من أموالهم يصنعون به طعاما للناس أيام منى ، فصاروا أئمة ديانين وقادة متبعين ، وصار أصحاب الفيل مثلا في الغابرين.
وروى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في الجاهلية تاجرا إلى الشام فمرّ بزنباع بن روح وكان عشارا فأساء إليه في اجتيازه وأخذ مكسه فقال عمر بعد انفصاله :
متى ألف زنباع بن روح ببلدة |
|
إلى النصف منها يقرع السن بالندم |
ويعلم أنا من لؤي بن غالب |
|
مطاعين في الهيجا مضاريب في التهم |
فبلغ ذلك زنباعا فجهز جيشا لغزو مكة ، فقيل له : إنها حرم الله ما
__________________
(١) مانع من الرجعة : منكر للبعث والقيامة