لا يخشع وعين لا تدمع هل يطمع أحدكم إلّا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو الدجال فهو شر غائب ينتظر أو الساعة فالسعة أدهى وأمرّ» ، وقوله : «ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات فخشية الله تعالى في السر والعلانية والاقتصاد في الغنى والفقر والحكم بالعدل في الرضا والغضب وأما المهلكات فشحّ مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه» ، وقوله : «تقبلوا إليّ بست أتقبل لكم بالجنة» ، قالوا وما هي يا رسول الله؟ قال : «إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا ائتمن فلا يخن غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم» ، وقوله في بعض خطبه : «ألا إن الأيام تطوى والأعمار تفنى والأبدان في الثرى تبلى وأن الليل والنهار يتراكضان تراكض البريد يقربان كل بعيد ويخلقان كل جديد وفي ذلك عباد الله ما ألهي عن الشهوات ورغب في الباقيات الصالحات» ، وقوله في بعض خطبه ، وقد خاف من أصحابه فطرة : «أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب وكأن الذي يشيع من الأموات سفر عما قيل إلينا راجعون نبوّئهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة (٢١) طوبى لمن شغلته آخرته عن دنياه طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس».
وهذا يسير من كثير ولا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء وإنما ذكرنا مثالا ليعلم أن كلامه جامع لشروط البلاغة ومعرب عن نهج الفصاحة ولو مزج بغيره لتميز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التنافر فلم يلتبس حقه من باطله ولبان صدقه من كذبه ، هذا ولم يكن متعاطيا للبلاغة ولا مخالطا لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء وإنما هو من غرائز فطرته وبداية جبلته وما ذلك إلّا لغاية تراد وحادثة تشاد.
فإن قيل : إذا كان كلامه مخالفا لكلام غيره في البلاغة والفصاحة حتى لم يكن فيه مساجلا أيكون له معجزا.
__________________
(٢١) الجائحة : المصيبة والبلاء.