بهم ما لم يستفد بالعقل (٤).
والرابع : أن التأله لا يخلص إلّا بالدين ، والدين لا يصلح إلّا بالرسل المبلغين عن الله تعالى ما كلف.
والخامس : أن العقول ربما استكبرت من موافقة الأكفاء ومتابعة النظراء ، فلم يجمعهم عليه إلّا طاعة المعبود فيما أداه رسله فصارت المصالح بهم أعم والإتقان بهم أتم والشمل بهم أجمع والتنازع بهم أمنع ، ويجوز إثبات التوحيد والنبوّات بدقيق الاستدلال كما يجوز بجليه ، فإن ما دق في العقول هو أبلغ في الحكمة وقد تلوّح لابن الرومي هذا المعنى فنظمه في شعره فقال :
غموض الحق حين يذب عنه |
|
يقلل ناصر الخصم المحق |
يجل عن الدقيق عقول قوم |
|
فيقضي للمجل على المدق |
جواز النبوات
فإذا ثبت جواز النبوّات وبعثة الرسل بالعبادات فهم رسل الله تعالى إلى خلقه إما بخطاب مسموع أو بسفارة ملك منزل ، ومنع قوم من مثبتي النبوّات أن تكون نبوّتهم عن خطاب أو نزول ملك لانتفاء المخاطبة الجسمانية عنه تعالى لأنه ليس بجسم ، والملائكة من العالم العلوي بسيط لا تهبط كما أن العالم السفلي كثيف لا يعلو واختلف من قال بهذا فيما جعلهم به أنبياء فقال بعضهم : صاروا أنبياء بالإلهام لا بالوحي ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن ما بطل به إلهام المعارف في التوحيد كان إبطال المعارف به في النبوّة أحق.
والثاني : أن الإلهام خفي غامض يدعيه المحق والمبطل ، فإن ميزوا بينهما طلبت أمارة (٥) ، وإن عدلوا عن الإلهام فذلك دليل يبطل الإلهام.
__________________
(٤) وهو الشرع والطاعات والعبادات والمحرّمات.
(٥) أمارة : علامة أو دليل.