مقتضى العقل ويكفي فيه تبليغ الخطاب ، وأما ما دليله التوقيف الذي لا مدخل فيه لبداية العقول كالعبادات فمحمول على التوقيف من الله تعالى إلى ملائكته ومن الملائكة إلى الرسول ومن الرسول إلى أمته ، فأما معرفة الملك من ربه فهو غير مشاهد لذاته ، واختلف أهل العلم في معرفته به على مذهبين كالرسول إن كلمه أحدهما بأن يضطره إلى العلم به والثاني بسماع الخطاب المقترن بالآيات.
وأما معرفة الرسول من الملك ومعرفة الأمة من الرسول ، فالرسول مشاهد لذات الملك والأمة مشاهدة لذات الرسول ، ولمشاهدة الذوات تأثير في العلم بمراد الخطاب فيتنوع بيان توقيفه فيما أريد بالخطاب أنواعا ، فيكون باللفظ الصريح وبعضه بالرمز الخفي وبعضه بالفعل الظاهر وبعضه بالإشارة الباطنة بعضه بالإمارات التي تضطر المشاهد إلى العلم بما أريد بها وليس لها نعت موصوف ولا حد مقدر وإنما يعلمه المشاهد بمفهوم أسبابه فيصير البيان باختلاف أنواعه توقيفا من الملك إلى الرسول ومن الرسول إلى الأمة ويجوز أن يختلف نوع بيانهما إذا عرف.
فأما القسم الثالث : وهو أن يكون عن رؤيا منام فإن لم يكن ممن تصدق رؤياه لكثرة أحلامه لم يجز أن يدّعي النبوّة وإن كان ممن تصدق رؤياه فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا» لم يجز أن يدّعي النبوّة من أول رؤيا لجواز أن يكون من حديث النفس ، وأن الرؤيا قد تصح تارة وتبطل أخرى فإن تكررت رؤياه مرارا حتى قطع بصحتها ولم يخالجه الشك فيها جاز أن يدعي بها النبوّة فيما كان حفظا لما تقدمها من شرع وبعثا على العمل بها من بعيد ولم يجز أن يعتد بها في نسخ شرع ولا استئناف تعبد ، ويجوز أن يعمل على رؤيا نفسه فيما يلتزمه من استئناف شرع ولا يجوز أن يعمل عليها في نسخ ما لزمه من شرع ليكون بها ملتزما ولا يكون بها مسقطا.
شروط التبليغ
وأما خطاب الرسول لأمته فيما بلغهم من رسالة ربه بعد ظهور معجزته والإخبار بنبوته ولزومه للأمة فمعتبر بخمسة شروط :