الباب السابع
فيما تضمنه القرآن من أنواع الإعجاز
والقرآن أول معجز دعا به محمد صلىاللهعليهوسلم إلى نبوته فصدع فيه برسالته وخص بإعجازه من جميع رسله وإن كان كلاما ملفوظا وقولا محفوظا لثلاثة أسباب صار بها من أخص إعجازه وأظهر آياته :
أحدها : أن معجز كل رسول موافق للأغلب من أحوال عصره والشائع المنتشر في ناس دهره ، لأن موسى عليهالسلام حين بعث في عصر السحرة خص من فلق البحر يبسا وقلب العصا حية ما بهر كل ساحر وأذل كل كافر ، وبعث عيسى عليهالسلام في عصر الطب فخص من إبراء الزمنى (١) وإحياء الموتى بما أدهش كل طبيب وأذهل كل لبيب ، ولما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم في عصر الفصاحة والبلاغة خص بالقرآن في إيجازه وإعجازه بما عجز عنه الفصحاء وأذعن له البلغاء وتبلد فيه الشعراء ليكون العجز عنه أقهر والتقصير فيه أظهر فصارت معجزاتهم وإن اختلفت متشاكلة المعاني متفقة العلل.
والثاني : أن المعجز في كل قوم بحسب أفهامهم وعلى قدر عقولهم وأذهانهم وكان في بني إسرائيل من قوم موسى وعيسى بلادة وغباوة لأنه لم ينقل عنهم ما يدرون من كلام مستحسن أو يستفاد من معنى مبتكر وقالوا لنبيهم حين
__________________
(١) الزمنى : المرضى الذين طال أمد مرضهم ولا علاج معروف لأمراضهم كالعمى والكساح والدمامل التي تملأ الجسد ، والجنون وما شابه.