والثاني : أن يكون المعنى مطابقا لألفاظه فلا يزيد عليها ولا يقصر عنها فإن زاد كان الاختلال في اللفظ ، وإن نقص كان الاختلال في المعنى وأما حسن نظمه فيكون من وجهين.
أحدهما : أن يكون الكلام متناسبا لا يتنافر.
والثاني : أن يكون الوزن معتدلا لا يتباين.
فإن قيل : قد يجتمع في كلام البشر ما يستكمل هذه الشروط فبطل به الإعجاز.
فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن أسلوب نظمه على هذه الشروط معدوم في غيره فافترقا.
والثاني : أن لنظم ألفاظه بهجة لا توجد في غيره فاختلفا لأنك إذا جمعت بين قول الله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٤) وبين قولهم القتل أنفى للقتل وجدت بينهما فروقا في اللفظ والمعنى.
الإعجاز في المعاني
والوجه الثاني : من إعجازه ، إيجازه عن هذا الإكثار واستيفاء معانيه في قليل الكلام كقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٥).
فإن قيل : ليس جميعه وجيزا مختصرا وفيه المبسوط والمكرر بعضه أفصح من بعض ولو كان من عند الله لتماثل ولم يتفاضل لأن التفاصيل في كلام من يكل خاطره وتضعف قريحته فعنه جوابان :
أحدهما : أن اختلافه في البسط والإيجاز ليس للعجز عن تماثله ولكن لاختلاف الناس في تصوره وفهمه وتفاضله في الفصاحة بحسب تفاضل معانيه
__________________
(٤) سورة البقرة من الآية (١٧٩).
(٥) سورة هود الآية (٤٤).