ولا تجتمع في مخلوق فلم يكن إلّا من عند الله المحيط بكل شيء علما حتى علمه من لم يكن به عالما.
فإن قيل : فضل العلم لا يكون إعجازا في النبوّات لأن العلماء قد يتفاضلون ولا يكون للأفضل إعجاز على المفضول فعنه جوابان :
أحدهما : أن التفاضل في العلم موجود والإحاطة بجميع العلوم مفقودة (١٠).
والثاني : أن ظهور العلم فيمن يتعاطاه ليس بمعجز لظهوره من جهته وظهور العلم فيمن لم يتعاطه معجزا لظهوره من غير جهته وقد كان أميا من أمة أميّة لم يقرأ كتابا ولم يتعاط علما فصار ما أظهر معجزا.
الإعجاز في الدلائل والبراهين
والوجه السادس : من إعجازه ما تضمنه من الحجج والبراهين على التوحيد والرجعة وعلى الدهرية والثنوية حتى قطع بحجاجه كل محتج وخصم بجدله كل خصم ألدّ.
فإن قيل : فدلائل التوحيد مستفادة بالعقول فلم يكن فيها إعجاز من وجهين :
أحدهما : وجودها من ذاته.
والثاني : مشاركته فيها لغيره ، والجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنه لم يكن من أهل الجدل فيقطع كل مجادل.
والثاني : أنه أحتج للرجعة بما زاد على قضايا العقول فخصم (١١) كل عاقل.
__________________
(١٠) وقد ذكر فيه من العلم أشياء لم تعرف في عصر الرسول صلىاللهعليهوسلم ولا بعده ولم تكشف إلا مؤخرا كالتقاء البحرين المالحين وعدم امتزاج مائهما وقد تم كشف هذه الظاهرة في العام الماضي والحديث عنها يطول والأمثلة كثيرة.
(١١) خصم كل عاقل : غلبه بالحجة.