فإن قيل : فقد يكون ذلك حدسا بشواهد الأفعال وفراسة بفضل الألمعية وقوة الفطنة ، فعنه جوابان :
أحدهما : أن الحدس والفراسة وإن أصاب بهما تارة فقد يخطئ بهما أخرى وهذا إصابة في الجميع فخرجت عن الحدث والفراسة إلى علم من لا تخفى عليه الغيوب.
والثاني : أن الحدس والفراسة توهم غير مقطوع بهما قبل الوجود وهذه أخبار بأنه مقطوع بها قبل الوجود فافترقوا.
الإعجاز بالإخبار عمّا في النفوس من أسرار
والوجه التاسع : من إعجازه ما فيه من الأخبار بضمائر القلوب التي لا يصل إليها إلّا علّام الغيوب كقوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) (١٧) من غير أن يظهر منهم قول أو يوجد منهم فشل وكقوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) (١٨) فكان كقوله ، «وإن لم يتكلموا به» إلى غير ذلك من نظائره.
فإن قيل : فالجمع الكثير تخلف ضمائرهم في العرف فإن وجد ذلك في بعضهم لم يوجد في جميعهم ، فإن لم يخل أن يعقده بعضهم خلا منه بعضهم فتقابل القولان فيهم وبطل إعجازه معهم ، فعنه جوابان :
أحدهما : أنهم وجهوا بهذا الخبر على العموم فلم ينكروه فزال هذا التفصيل فصار معجزا.
والثاني : أنه جعله ذنبا لهم فلم ينتضلوا منه فدل على وجوده من جميعه.
الإعجاز في الألفاظ
والوجه العاشر : من إعجازه أن ألفاظ القرآن قد تشتمل على الجزل
__________________
(١٧) سورة آل عمران من الآية (١٢٢).
(١٨) سورة الأنفال الآية (٧).