عن عبد الله بن عمرو قال : قلت له : ما أكثر ما رأيت ، أصابت قريش من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما كانوا يظهرون من عداوته؟ قال : حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قطّ ، قد سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وفعل وفعل ، فطلع عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاستلم الركن وطاف بالبيت ، فلما مرّ غمزوه ببعض القول ، فعرفت ذلك في وجهه ، فلمّا مرّ الثانية غمزوه ، فلمّا مرّ الثالثة غمزوه ، فوقف فقال : أتسمعون يا معشر قريش ، أما والّذي نفسي بيده جئتكم بالذّبح ، قال : فأخذت القوم كلمته حتى ما فيهم رجل إلّا كأنّ على رأسه طائرا واقع ، حتى إنّ أشدّهم فيه وطأة ليرفؤه (١) بأحسن ما يجد من القول ، حتى إنّه يقول : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولا ، فانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر ، وأنا معهم ، فقال بعضهم لبعض : ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه ، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه ، فبينا هم في ذلك ، إذ طلع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، فأحاطوا به يقولون : أنت الّذي تقول كذا وكذا؟ فيقول : «نعم» ، فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه ، فقام أبو بكر دونهم يبكي ويقول : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ثم انصرفوا عنه ، فحدّثني بعض آل أبي بكر ، أنّ أمّ كلثوم بنت أبي بكر قالت : لقد رجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه ممّا جذبوه بلحيته ، وكان كثير الشّعر (٢).
إسلام أبي ذرّ (رضياللهعنه)
قال سليمان بن المغيرة : نا حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصّامت قال : قال أبو ذرّ : خرجنا من قومنا غفار ، وكانوا يحلّون الشهر الحرام (٣) ،
__________________
(١) أي يسكّنه ويرفق به ويدعو له. (النهاية).
(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٣٣ ، ٣٤ ، دلائل النبوّة للبيهقي ٢ / ٥٢.
(٣) يفعلون فيه المنكرات.