تريش نبلا لا يواتيك ريشها |
|
وتبري نبالا ريشها لك أجمع |
وحاربت أقواما كراما أعزّة |
|
وأهلكت أقواما بهم كنت تفزع |
ستعلم إن نابتك يوما ملمّة |
|
وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع (١) |
وقال موسى بن عقبة : ثم إنّ قريشا ائتمروا واشتدّ مكرهم ، وهمّوا بقتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أو إخراجه ، فعرضوا على قومه أن يعطوهم ديته ويقتلوه ، فأبوا حميّة.
ولما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم شعب بني عبد المطّلب ، أمر أصحابه بالخروج إلى الحبشة فخرجوا مرّتين ، رجع الذين خرجوا في المرّة الأولى حين أنزلت سورة «النّجم» ، وكان المشركون يقولون : لو كان محمد يذكر آلهتنا بخير قررناه وأصحابه ، ولكنه لا يذكر من حالفه من اليهود والنّصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم ، والشرّ. وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتمنّى هداهم ، فأنزلت (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢) ، فألقى الشيطان (٣) عندها كلمات «وإنّهنّ الغرانيق العلا ، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى» فوقعت في قلب كلّ مشرك بمكة ، ودالت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا :
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ / ٧٦.
(٢) سورة النجم ، الآية ١٩.
(٣) قال الإمام الجصّاص في (الجامع لأحكام القرآن) : قد اختلف في معنى «ألقى الشيطان» فقال قائلون : لما تلا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم هذه السورة ، وذكر فيها الأصنام ، علم الكفّار أنّه يذكرها بالذّم والعيب ، فقال قائل منهم حين بلغ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) : تلك الغرانيق العلا. وذلك بحضرة الجمع الكثير من قريش في المسجد الحرام ، فقال سائر الكفّار الذين كانوا بالبعد منه : إنّ محمدا قد مدح آلهتنا ، وظنّوا أنّ ذلك كان في تلاوته ، فأبطل الله ذلك من قولهم ، وبيّن أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يتله ، وإنّما تلاه بعض المشركين ، وسمّى الّذي ألقى ذلك في حال تلاوة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم شيطانا ، لأنه كان من شياطين الإنس ، كما قال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) والشيطان اسم لكلّ متمرّد عات من الجنّ والإنس. وقيل : إنّه جائز أن يكون شيطانا من شياطين الجنّ قال ذلك عند تلاوة النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ومثل ذلك جائز في أزمان الأنبياء عليهمالسلام ، كما حكى الله تعالى بقوله : (إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ، إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ)