هذين يا أبا الفضل؟ قال : نعم ، هذا البراء بن معرور سيّد قومه ، وهذا كعب بن مالك ، فو الله ما أنسى قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (الشاعر)؟ قال : نعم ، فقال له البراء : يا رسول الله إنّي قد كنت رأيت في سفري هذا رأيا ، وقد أحببت أن أسألك عنه ، قال : وما ذاك؟ قال : رأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر فصلّيت إليها ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها ، فرجع إلى قبلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأهله يقولون : قد مات عليها ، ونحن أعلم به ، قد رجع إلى قبلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصلّى معنا إلى الشام (١).
ثم واعدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم العقبة ، أوسط أيّام التشريق ، ونحن سبعون رجلا للبيعة ، ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر ، وإنّه لعلى شركه ، فأخذناه فقلنا : يا أبا جابر والله إنّا لنرغب بك أن تموت على ما أنت عليه. فتكون لهذه النّار غدا حطبا ، وإنّ الله قد بعث رسولا يأمر بتوحيده وعبادته. وقد أسلم رجال من قومك ، وقد واعدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم للبيعة ، فأسلم وطهّر ثيابه ، وحضرها معنا فكان نقيبا ، فلمّا كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمنى أوّل اللّيل مع قومنا ، فلمّا استثقل النّاس من النّوم تسلّلنا من فرشنا تسلّل القطا ، حتى اجتمعنا بالعقبة ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعمّه العبّاس ، وليس معه غيره ، أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ، فكان أوّل متكلّم ، فقال : يا معشر الخزرج إنّ محمدا منّا حيث قد علمتم ، وهو في منعة من قومه وبلاده ، قد منعناه ممّن هو على مثل رأينا منه ، وقد أبى إلّا الانقطاع إليكم ، وإلى ما دعوتموه إليه ، فإن كنتم ترون أنّكم وافون له بما وعدتموه ، فأنتم وما تحمّلتم ، وإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه ، فإنّه في منعة من عشيرته وقومه ، فقلنا : قد سمعنا ما قلت ، تكلّم
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ / ١٨٨.