فيقول : هذا رجل يهديني السّبيل ، فيحسب الحاسب أنّه يعني الطّريق ، وإنّما يعني طريق الخير. فإذا هو بفارس قد لحقهم ، فقال : يا بنيّ الله هذا فارس قد لحق بنا ، فقال : «اللهمّ اصرعه» ، فصرعه فرسه ، ثمّ قامت تحمحم. فقال : يا بنيّ الله مرني بما شئت ، قال : «تقف مكانك لا تتركنّ أحدا يلحق بنا» ، قال : فكان أوّل النّهار جاهدا على النّبيّ وآخر النّهار مسلحة (١) له ، فنزل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم جانب الحرّة ، وأرسل إلى الأنصار ، فجاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر ، فسلّموا عليهما فقالوا : اركبا آمنين مطاعين ، فركبا وحفّوا حولهما بالسّلاح ، فقيل في المدينة (جاء رسول الله ، جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم) ، وأقبل حتى نزل إلى جانب بيت أبي أيّوب ، قال : فإنّه ليحدّث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله ، يخترف (٢) لهم منه ، فعجّل أن يضع التي يخترف فيها فجاءه وهي معه ، فسمع من نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم رجع إلى أهله ، فقال نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم : «أيّ بيوت أهلنا أقرب»؟ فقال أبو أيّوب : أنا يا نبيّ الله هذه داري ، قال : «أذهب فهيّئ لنا مقيلا» ، فذهب فهيّأ لهما مقيلا ، ثم جاء فقال : يا نبيّ الله قد هيّأت لكما مقيلا ، قال : «قوما على بركة الله فقيلا» (٣).
فلما جاء نبيّ الله ، جاء عبد الله بن سلام (٤) فقال : أشهد أنّك رسول الله حقّا ، وأنّك جئت بحقّ ، ولقد علمت يهود أنّي سيّدهم وأعلمهم. وذكر الحديث. أخرجه البخاري (٥).
__________________
(١) أي يدفع عنه الأذى ، بمثابة السلاح.
(٢) أي يجتني.
(٣) حتى هنا رواه ابن سعد في الطبقات ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦.
(٤) بتخفيف اللام. قال السهيليّ في الروض ٢ / ٢٩١ (ولا يوجد من اسمه «سلام» بالتخفيف في المسلمين ، وإنّما هو في اليهود). وينقض كلام السهيليّ ما ورد بالتخفيف في (تبصير المنتبه لابن حجر) وتدريب الراويّ ٢ / ٢٩٨ بتحقيق الدكتور عبد الوهاب عبد اللطيف.
(٥) صحيح البخاري ٤ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ في مناقب الأنصار ، باب هجرة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى المدينة.