وقال ابن إسحاق في «السيرة» (١) : إنّ أبا طالب خرج إلى الشام تاجرا في ركب ، ومعه النّبيّ ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو غلام ، فلما نزلوا بصرى ، وبها بحيرا الرّاهب في صومعته ، وكان أعلم أهل النّصرانيّة ، ولم يزل في تلك الصّومعة قط (٢) راهب يصير إليه علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون ، يتوارثونه كابرا عن كابر ، قال : فنزلوا قريبا من الصّومعة ، فصنع بحيرا طعاما ، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه حين أقبلوا ، وغمامة (٣) تظلّه من بين القوم ، فنزل بظلّ شجرة (٤) ، فنزل بحيرا من صومعته ، وقد أمر بذلك الطّعام فصنع ، ثم أرسل إليهم فجاءوه (٥) فقال رجل منهم : يا بحيرا ما كنت تصنع هذا ، فما شأنك؟ قال : نعم ، ولكنّكم ضيف ، وأحببت أن أكرمكم (٦) ، فاجتمعوا ، وتخلّف رسول الله صلىاللهعليهوسلم لصغره في رحالهم (٧). فلما نظر بحيرا فيهم ولم يره قال :
يا معشر قريش لا يتخلّف عن طعامي هذا أحد.
__________________
(١) السير والمغازي لابن إسحاق ـ تحقيق د. سهيل زكار ص ٧٣ ـ السيرة لابن هشام ١ / ٢٠٥ ، تاريخ الطبري ٢ / ٢٧٧ دلائل النبوة ٣٧٣.
(٢) هكذا في الأصل وفي السير والمغازي ٧٣ ، ٧٤ ، أما في سيرة ابن هشام ١ / ٢٠٥ وتاريخ الطبري ٢ / ٢٧٧ «منذ (أو مذ) قط راهب» ، وقط هنا : اسم بمعنى الدهر ، ومذ طرف.
(٣) في السر والمغازي لابن إسحاق ٧٤ «غماما».
(٤) في السير والمغازي «ثم أقبلوا حتى نزلوا بظلّ شجرة قريبا منه ، فنظر إلى الغمامة حتى أظلّت الشجرة ، وتهصّرت أغصان الشجرة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى استظلّ تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته».
(٥) يحذف الحافظ الذهبي عدّة فقرات من الأصل الّذي ينقل عنه ، انظر ذلك في : السير والمغازي لابن إسحاق ٧٤ وسيرة ابن هشام ١ / ٢٠٥.
(٦) النصّ عند ابن إسحاق في السير والمغازي ٧٤ : «ثم أرسل اليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم ، وحرّكم وعبدكم ، فقال له رجل منهم : يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى ، وقد كنا نمرّ بك كثيرا ، فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا : صدقت ، قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم صغيركم وكبيركم».
(٧) في السير والمغازي ٧٤ «لحداثة سنّه في رحال القوم تحت الشجرة».