وممّا عصم الله به محمّدا صلىاللهعليهوسلم من أمر الجاهليّة
إنّ قريشا كانوا يسمّون الحمس ، يعني الأشدّاء الأقوياء ، وكانوا يقفون في الحرم بمزدلفة ، ولا يقفون مع النّاس بعرفة ، يفعلون ذلك رياسة وبأوا (١) ، وخالفوا بذلك شعائر إبراهيم ـ عليهالسلام ـ في جملة ما خالفوا. فروى البخاريّ ومسلم من حديث جبير بن مطعم قال : «أضللت بعيرا لي يوم عرفة ، فخرجت أطلبه بعرفة ، فرأيت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم واقفا مع النّاس بعرفة ، فقلت : هذا من الحمس ، فما شأنه هاهنا» (٢).
وقال ابن إسحاق : حدّثني محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة ، عن الحسن بن محمد بن الحنفيّة ، عن أبيه ، عن جدّه ، سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما هممت بقبيح ممّا يهمّ به أهل الجاهليّة مرّتين ، عصمني الله فيهما ، قلت ليلة لفتى من قريش : أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه اللّيلة بمكة كما تسمر الفتيان. قال : نعم ، فخرجت حتى جئت أدنى دار من دور
__________________
(١) البأو : الكبر والتعظيم. (النهاية لابن الأثير ١ / ٩١).
(٢) أخرجه البخاري ٢ / ٧٥ في كتاب الحج ، باب الوقوف بعرفة ، ومسلم (١٢٢٠) كتاب الحج ، باب في الوقوف وقوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، والنسائي ٥ / ٢٥٥ كتاب مناسك الحج ، باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة ، والدارميّ ، في كتاب المناسك ٤٩ ، وانظر أخبار مكة ١ / ١٨٨.