(ثانِيَ اثْنَيْنِ) نصب على الحال أي أخرجوه منفردا من جميع الناس إلا من أبي بكر رضي الله عنه أي أحد اثنين. قال علي بن سليمان : التقدير فخرج ثاني اثنين مثل (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧]. (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) فأشاد جلّ وعزّ بذكر أبي بكر رضي الله عنه ، ورفع قدره بخروجه مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبذله نفسه ولو أراد أن يهاجر آمنا لفعل ، وقوله (لا تَحْزَنْ) فيه معنى أمنه كما قال (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) [طه : ٦٨] وقال في قصة لوطعليهالسلام (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) [العنكبوت : ٣٣] وفي قصة إبراهيم صلىاللهعليهوسلم (لا تَخَفْ) [الذاريات: ٢٨] وقال (إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي ينصرنا ويمنع منا فأوجب لأبي بكر رضي الله عنه بهذا التقى والإحسان كما قال جلّ وعزّ (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨]. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) القول عند أكثر أهل التفسير وأهل اللغة أن المعنى فأنزل الله سكينته على أبي بكر لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قد علم أنه معصوم والله جلّ وعزّ أمره بالخروج وأنه ينجيه والدليل على هذا أنه قال لأبي بكر (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) فسكن أبو بكر رضي الله عنه ، قال الله جلّ وعزّ فأنزل الله سكينته عليه ومعنى الفاء في العربية أن يكون الثاني يتبع الأول ، فكما قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تحزن إنّ الله معنا سكن واطمأن ، وليس هذا مثل (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٢٦] لأن هذا في يوم حنين لمّا اضطرب المسلمون خاف النبي صلىاللهعليهوسلم وقد علم أنه في نفسه معصوم ، فلمّا أيّد الله المؤمنين ورجعوا سكن النبي صلىاللهعليهوسلم لذلك وزال خوفه الذي لحقه على المؤمنين ، (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) الهاء تعود على النبي صلىاللهعليهوسلم فالضميران مختلفان ، وهذا كثير في القرآن وفي كلام العرب قال الله جلّ وعزّ (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [العلق : ١١ ، ١٢ ، ١٣] ثم قال (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) [العلق : ١٤]. (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) أي وصفها بهذا ، (وَكَلِمَةُ اللهِ) ابتداء. (هِيَ الْعُلْيا) ابتداء وخبر ، والابتداء والخبر خبر الأول ، ويجوز أن يكون «العليا» الخبر ، و «وهي» فاصلة ، وقرأ الحسن ويعقوب (وَكَلِمَةُ اللهِ) (١) بالنصب عطفا على الأول ، وزعم الفراء أنّ هذا بعيد. قال : لأنك تقول : أعتق فلان غلام أبيه ولا تقول : غلام أبي فلان ، وقال أبو حاتم نحوا من هذا ، قال : كأن يكون وكلمته هي العليا. قال أبو جعفر : الذي ذكره الفقراء لا يشبه الآية ولكن يشبهها ما أنشده سيبويه : [الخفيف]
١٨٦ ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (٢) |
وهذا جيد حسن لأنه لا إشكال فيه بل يقول النحويون الحذّاق : إنّ في إعادة
__________________
(١) انظر مختصر ابن خالويه ٥٢ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٦.
(٢) مرّ الشاهد رقم (٧٠).