الذّكر في مثل هذا فائدة وهي أنّ فيه معنى التعظيم. قال الله جلّ وعزّ (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ١ ، ٢] فهذا لا إشكال فيه. (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ابتداء وخبر.
(انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤١)
(انْفِرُوا) حكى الأخفش «انفروا» ، (خِفافاً وَثِقالاً) نصب على الحال ، وفيه قولان : أحدهما أنه منسوخ بقوله (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢] ، والآخر أنه غير منسوخ لأن الجهاد فرض إلّا أنّ بعض المسلمين يحمله عن بعض فإذا وقع الاضطرار وجب الجهاد على كلّ أحد.
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٤٢)
(لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً) خبر كان. (وَسَفَراً قاصِداً) عطف عليه. (لَاتَّبَعُوكَ) وهذه الكناية للمنافقين لأنهم داخلون فيمن خوطب بالنفير. وهذا موجود في كلام العرب يذكرون الجملة ثم يأتون بالإضمار عائدا على بعضها كما قيل في قول الله جلّ وعزّ (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] إنها القيامة ثم قال جلّ وعزّ : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) [مريم : ٧٢] يعني جلّ وعزّ جهنم. حكى أبو عبيدة (١) : إنّ (الشُّقَّةُ) السفر ، وحكى الكسائي : إنه يقال: شقّة وشقّة.
(عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣)
(عَفَا اللهُ عَنْكَ) في معناه قولان : أحدهما أنه افتتاح الكلام كما تقول : أصلحك الله كان كذا وكذا ، والقول الآخر وهو أولى لأن المعنى عفا الله عنك ما كان من ذنبك في أن أذنت لهم ويدلّ على هذا (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) لأنه لا يقال : لم فعلت ما أمرتك به؟ والأصل «لما» حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر ، وأنّ «ما» قد اتّصلت باللام ولا يوقف عليها إلّا بالهاء لمه.
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٤٥)
(لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا) في موضع نصب. قال
__________________
(١) انظر مجاز القرآن ١ / ٢٦٠.