بعينه ثم يقال : ما اتخذت من رجل وليّا ، فيكون نفيا عاما ، وقولك : وليّا تابع لما قبله فلا يجوز أن يدخل فيه من لأنه لا فائدة في ذلك ، وحكى الفراء (١) عن العرب أنهم لا يقولون : ما رأيت عبد الله من رجل ، غير أنه أبطل هذا ، وترك ما روى عن العرب ، وأجاز ذلك من قبل نفسه فقال : ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبد الله لجاز إدخال من تتأوّل القلب. قال أبو إسحاق : وهذا خطأ لا يجوز البتّة ، وهو كما قال. ثم رجع الفراء فقال : والعرب إنما تدخل من في الأسماء وهذه مناقضة بيّنة وأجاز ذلك الكسائي أيضا ، ثم قال : وهو قبيح. (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ) أي طالت أعمارهم بعد موت الرسل صلوات الله عليهم فنسوا وهلكوا.
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) تأوله أبو عبيد بمعنى فيما يقولون ، وقال غيره : هذه مخاطبة للأنبياء صلّى الله عليهم وسلّم فما تستطيعون صرفا ولا نصرا. قيل : فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا أن ينصر بعضهم بعضا.
إذا دخلت اللام لم يكن في «إن» إلا الكسر ، ولو لم تكن اللام ما جاز أيضا إلا الكسر لأنها مستأنفة. وهذا قول جميع النحويين إلا أنّ علي بن سليمان حكى لنا عن محمد بن يزيد أنه قال : يجوز الفتح في إنّ هذه وإن كان بعدها اللام ، وأحسبه وهما منه. قال أبو إسحاق : المعنى : وما أرسلنا قبلك رسلا إلّا أنهم ليأكلون الطعام ثم حذف من لأنّ من تدلّ على المحذوف. وقال الفراء (٢) : «من» محذوفة أي إلّا أن منهم من ليأكلون الطّعام ، وشبّهه بقوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤].
قال أبو إسحاق : هذا خطأ لأنّ من موصولة فلا يجوز حذفها. (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) الفتنة في اللغة الاختبار ، وفي الحديث «الغنيّ للفقير فتنة والفقير للغنيّ فتنة والقويّ للضعيف فتنة والضعيف للقويّ فتنة». والمعنى في هذا أن كلّ واحد منهما مختبر بصاحبه فالغنيّ مختبر بالفقير عليه أن يواسيه ولا يسخر منه ، والفقير ممتحن بالغنيّ عليه أن لا يحسده وأن لا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كلّ واحد منهما على الحقّ ، كما قال الضحاك : في معنى (أَتَصْبِرُونَ) أي على الحق. (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي بما تعملون أي فيما امتحنكم فيه.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٤.
(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٤.