كذلك. وهذا لما لم يجد المشركون سبيلا إلى تكذيب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ببرهان ولا حجّة قالوا (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) فسألوا ما الصّلاح في غيره ؛ لأن القرآن كان ينزّل مفرّقا جوابا عما يسألون عنه ، وكان ذلك من علامات النبوة لأنهم لا يسألون عن شيء إلّا أجيبوا عنه. وهذا لا يكون إلّا من نبيّ فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم ، ويدلّ على هذا الجواب.
ولو نزل جملة لكان قد سبق الحوادث التي كانت ينزل فيها القرآن ، ولو نزل جملة بما فيه من الفرائض لثقل ذلك عليهم علم الله جلّ وعزّ. إنّ الصلاح في إنزاله متفرّقا لأنهم ينبّهون به مرّة بعد مرّة ولو نزل جملة لزال معنى التنبيه ، وفيه ناسخ ومنسوخ فكانوا يعبّدون بالشيء إلى وقت بعينه قد علم الله جلّ وعزّ فيه الصلاح ثم ينزل النسخ بعد ذلك فمحال أن ينزل جملة افعلوا كذا وكذا ، ولا تفعلوا ، والأولى أن يكون التمام «جملة واحدة» ؛ لأنه إذا وقف على «كذلك» صار المعنى كالتوراة والإنجيل والزّبور ، ولم يتقدّم لهما ذكر. قال أبو إسحاق : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي أنزلناه. قيل :
الترتيل وهو التمكّث وهو ضدّ العجلة.
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) في موضع رفع الابتداء وخبره في الجملة.
وقد ذكرنا معناه المروي مرفوعا. وقد قيل : هو تمثيل ، كما تقول : جاءني على وجهه ، أي كارها.
(وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ) على البدل. (وَزِيراً) مفعول ثان. والوزير في اللغة المعاون الذي يلجأ إليه صاحبه مشتقّ من الوزر وهو الملجأ. قال الله جلّ وعزّ (كَلَّا لا وَزَرَ) [القيامة : ١١].
قال الفراء (١) : إنما أمر موسى صلىاللهعليهوسلم بالذهاب وحده في المعنى ، وهذا بمنزلة قوله :
(نَسِيا حُوتَهُما) [الكهف : ٦١] ، وبمنزلة قوله (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] وإنما يخرج من أحدهما. قال أبو جعفر : وهذا مما لا ينبغي أن يجترأ
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٦٨.