على قدرة الله جلّ وعزّ وعلى عظمته. (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) في معناه ثلاثة أقوال :
ذكر أبو إسحاق منها واحدا أنه نعت لكتاب أي لا يضلّه ربي ولا ينساه ، والقول الثاني أنه قد تمّ الكلام ثم ابتدأ فقال : لا يضلّ ربي أي لا يهلك من قوله : أإذا ضللنا في الأرض ، ولا ينسى شيئا ، والقول الثالث أشبهها بالمعنى أخبر الله جلّ وعزّ أنه لا يحتاج إلى كتاب ، فالمعنى لا يضلّ عنه علم شيء من الأشياء ، ولا معرفتها ، ولا ينسى علمه منها. وقرأ الحسن وقتادة وعيسى وعاصم الجحدري (فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي) (١) أي لا يضيّعه ربّي ولا ينساه.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) وقرأ الكوفيون (مَهْداً) (٢) ، ومهادا هاهنا أولى ؛ لأن مهدا مصدر وليس هذا موضع مصدر إلّا على حذف : أي ذات مهد. (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) مجاز أي جعل لكم فيها السبل. (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي من نواحيها.
(مِنْها خَلَقْناكُمْ) أي من الأرض. قال أبو إسحاق : لأن آدم صلىاللهعليهوسلم خلق من الأرض ، وقال غير أبي إسحاق : النطفة مخلوقة من التراب. يدلّ على هذا ظاهر القرآن.
(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) المعنى : ولقد أرينا فرعون آياتنا التي أعطينا لموسى صلىاللهعليهوسلم كلها. والفائدة في هذا أن فرعون رأى الآيات كلّها عيانا لا خبرا (فَكَذَّبَ وَأَبى) أن يؤمن.
(فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً).
وقرأ الكوفيون (سُوىً) بضم السين ، والكسر أشهر وأعرف (٣). قيل : معناه سوى ذلك المكان. وأهل التفسير على أن معنى سوى نصف وعدل ، وهو قول حسن ، وأصله من قولك : جلس في سواء الدار ، أي في وسطها وفي سواها. ووسط كلّ شيء
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣٣ ، ومختصر ابن خالويه ٨٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣٤ ، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤١٨.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤١٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٣٦.