حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته ، منهم أبو زيد الأنصاري ، وهو الذي يقول ؛ إذا قال سيبويه : حدّثني من أثق به فإنما يعنيني. وأبو الخطاب الأخفش ، وهو رئيس من رؤساء أهل اللغة ، روى عنه سيبويه وغيره. ومن بين ما في هذا قول سيبويه : واعلم أنّك إذا ثنّيت الواحد زدت عليه زائدتين ، الأولى منهما حرف مدّ ولين ، وهو حرف الإعراب. قال أبو جعفر : فقول سيبويه: وهو حرف الإعراب ، يوجب أنّ الأصل أن لا يتغير إنّ هذان ، جاء على أصله ليعلم ذلك وقد قال الله جلّ وعزّ : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) [المجادلة : ١٩] ولم يقل : استحاذ ، فجاء على هذا ليدل على الأصل إذ كان الأئمة قد رووها وتبيّن أنها الأصل ، وهذا بيّن جدا. (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) تأنيث أمثل ، كما يقال : الأفضل والفضلى ، وأنّثت الطريقة على اللفظ ، وإن كان يراد بها الرجال ، ويجوز أن يكون التأنيث على معنى الجماعة.
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) قراءة أهل الأمصار إلّا أبا عمرو فإنه قرأ فاجمعوا (١) بالوصل وفتح الميم ، واحتج بقوله جلّ وعزّ : (فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) [طه : ٦٠] وفيما حكى عن محمد بن يزيد أنه قال : يجب على أبي عمرو ومن بحجّته أن يقرأ بخلاف قراءته هذه ، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس ، قال : لأنه احتجّ بجمع وقوله جلّ وعزّ : (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) قد ثبت هذا فيبعد أن يكون بعده فاجمعوا ، ويقرب أن يكون بعده فأجمعوا أي اعزموا وجدّوا لما تقدّم ذلك وجب أن يكون هذا بخلاف معناه.
يقال : أمر مجمع عليه. وقال أبو جعفر : تصحيح قراءة أبي عمرو فأجمعوا كلّ كيد وكلّ حيلة فضمّوه مع أخيه. (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) منصوب بوقوع الفعل عليه. وقول أبي عبيدة قال : يقال : أتيت الصفّ أي المصلى ، فالمعنى عنده : أتوا الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد. وزعم أبو إسحاق أنه يجوز أن يكون منصوبا على الحال.
قال هارون القارئ : لغة بني تميم عصيهم (٢) وبها يأخذ الحسن. قال أبو جعفر : من كسر العين أتبع الكسرة الكسرة وقد ذكرناه (٣). (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) قال أبو إسحاق : «أن» في موضع رفع أي يخيل إليه سعيها ، وزعم الفراء : «أنّ» موضعها موضع نصب أي بأنها ثم حذف الباء. وقرأ الحسن تخيّل (٤) بالتاء. قال أبو عبيد :
__________________
(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤١٩ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٣٩.
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ٨٨ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤١ والإتحاف ١٨٦.
(٣) انظر إعراب الآية ١١ من سورة النساء.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤١ ، ومعاني الفراء ٢ / ١٨٢.