فيكون من برد في موضع نصب ، ويجوز الخفض كما تقول : مررت بخاتم حديدا وبخاتم حديد ، الخفض على البدل والنصب عند سيبويه على الحال ، وعند أبي العبّاس على البيان.
ومن قال : المعنى من مقدار جبال فمن برد عنده في موضع نصب لا غير. قال الفراء (١) :
كما تقول عندي بيتان تبنا ، ومثله عنده (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥]. ومن قال :
إنّ «من» زائدة فيهما فهما عنده في موضع نصب لا غير. وقرأ أبو جعفر : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٢) بضم الياء ، وزعم أبو حاتم أن هذا لحن ، وهو قول أستاذه الأخفش يقول : دخل بالمدخل ولا يجيز هاهنا أدخل ، ويزعم أن الباء تعاقب الألف ، وهذا هو القول البين. فأما أن يكون خطأ لا يجوز ولا يحمل عليه فقد زعم جماعة أن الباء تزاد واحتجوا بقول الله جلّ وعزّ : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) [الحجّ : ٢٥] وإن كان غير هذا القول أولى منه ، وهو ما حكاه لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد. قال : تكون الباء متعلقة بالمصدر إذ كان الفعل دالا عليه ومأخوذا منه فعلى هذا يكون التقدير ذهابه بالأبصار أو إذهابه وكذا : أدخل بالمدخل السّجن الدار ، جائز على هذا.
(يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) مجاز أي يقلب هذا إلى هذا وهذا إلى هذا فإذا زال أحدهما ودخل الآخر كان بمنزلة ما قلب إليه.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم وسائر الكوفيين يقرءون خالق كلّ دابّة (٣) والمعنيان صحيحان. أخبر الله جلّ وعزّ بخبرين ولا ينبغي أن يقال في هذا أحد القراءتين أصحّ من الأخرى لأنهما يدلّان على معنيين ، ولكن إن قال قائل : «خلق» في هذا أكثر لأنه ليس بشيء مخصوص ، وإنما يقال : خالق على العموم ، كما قال جلّ وعزّ : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤] وفي الخصوص (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ١] ، وكذا (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) [الأعراف : ١٨٩] فكذا يجب (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ). والدابّة كلّ ما دبّ على الأرض من الحيوان يقال : دبّ ، وهو داب ، والهاء للمبالغة. وقيل : يعني بالماء هاهنا المنيّ كما قال : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] وقيل : لمّا كان خلق الأرض
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٢٥٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٧٠ ، يذهب بضمّ الياء.
(٣) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٤٥٧.