(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (٨)
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) قيل : هو بدل ممن قد تقدّم ذكره بإعادة الحرف مثل (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [سبأ : ٣٢] لمن آمن منهم ، وقيل : التقدير كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم لكي يكون للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أي أخرجهم المشركون. (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) في موضع نصب على الحال ، وكذا (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) مبتدأ وخبره ..
(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٩)
(الَّذِينَ) في موضع خفض أي للذين ، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) أي انتقل إليهم وإذا كان الذين في موضع خفض كان يحبّون في موضع نصب على الحال أو مقطوعا مما قبله (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) معطوف عليه ، وكذا (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أي فاقة إلى ما اثروا به. وكلّ كوّة أو خلل في حائط فهو خصاصة. (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) (١) جزم بالشرط فلذلك حذفت الألف منه ، ولا يجوز إثباتها إذا كان شرطا عند البصريين ، ويجوز عند الكوفيين وشبّهوه بقول الشاعر :
٤٧٤ ـ ألم يأتيك والأنباء تنمي (٢)
والفرق بين ذا والأول أن الألف لا تتحرك في حال والياء والواو قد يتحرّكان وهذا فرق بيّن ولكن الكوفيين خلطوا حروف المدّ واللين فجعلوا حكمها حكما واحدا ، وتجاوزوا ذلك من ضرورة الشعر إلى أن أجازوه في كتاب الله جلّ وعزّ ، وحملوا قراءة حمزة لا تخف دركا ولا تخشى [طه : ٧٧] عليه في أحد أقوالهم. وأهل التفسير على أنّ الشحّ أخذ المال بغير الحقّ ، وقد ذكرنا أقوالهم. والمعروف في كلام العرب أن الشّحّ أزيد من البخل ، وأنه يقال : شحّ فلان يشحّ إذا اشتدّ بخله ومنع فضل المال ، كما قال : [الوافر]
٤٧٥ ـ ترى اللّحز الشّحيح إذا أمرّت |
|
عليه لماله فيها مهينا (٣) |
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٤٦ (قرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «شحّ» بكسر الشين ، والجمهور بإسكان الواو وتخفيف القاف ، وضمّ الشين).
(٢) مرّ الشاهد رقم (٢٩٩).
(٣) الشاهد لعمرو بن كلثوم في ديوانه ٦٥ ، ولسان العرب (سخن) وخزانة الأدب ٣ / ١٧٨ ، وشرح ديوان ـ