(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠)
يكون (الَّذِينَ) في موضع خفض معطوفا على ما قبله أي والذين ، وعلى هذا كلام أهل التفسير والفقهاء ، كما قال مالك ليس لمن شتم أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم في الفيء نصيب لأن الله تعالى قال : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) الآية ، وقال قتادة : لم تؤمروا بسب أصحاب النبيّ وإنما أمرتم بالاستغفار لهم ، وقال ابن زيد في معنى قوله (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) لا تورّث قلوبنا غلا لمن كان على دينك. (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي بخلقك. (رَحِيمٌ) لمن تاب منهم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١١)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) حذفت الألف للجزم ، والأصل فيه الهمز لأنه من رأى والأصل يرأى (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) «يقولون» في موضع نصب على الحال. وعن ابن عباس (الَّذِينَ نافَقُوا) عبد الله بن أبيّ وأصحابه وإخوانهم من أهل الكتاب بنو النضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) أي من دياركم ومنازلكم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) من ديارنا. (وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً) أي لا نطيع من سألنا خذلانكم. (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) كسرت إن لمجيء اللام ، وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد أنه أجاز فتحها في خبرها اللام ؛ لأن اللام للتوكيد فلا تغيّر هاهنا شيئا.
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (١٢)
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) أي لئن أخرج بنو النضير لا يخرج المنافقون معهم فخبر بالغيب ، وكان الأمر على ذلك. (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) فخبّر جلّ وعزّ بما يعلمه فإن قيل : فما وجه رفع (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) وظاهره أنه جواب الشرط وأنت تقول : إن أخرجوا لا يخرجوا معهم ، ولا يجوز غير ذلك ، واللام توكيد فلم رفع الفعل؟ فالجواب عن هذا ، وهو قول الخليل وسيبويه رحمهماالله على معناهما أنه قسم. والمعنى والله لا يخرجون معهم إن أخرجوا ، كما تقول : والله لا
__________________
ـ امرئ القيس ٣٢٠ ، وشرح القصائد السبع ٣٧٣ ، وشرح القصائد العشر ٣٢٢ ، وشرح المعلقات السبع ١٦٦ ، وتاج العروس (سخن) ، وبلا نسبة في لسان العرب (لحز) ، ومقاييس اللغة ٥ / ٢٣٧.