(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) والأصل ولتنظر حذفت الكسرة لثقلها واتصالها بالواو أي لتنظر نفس ما قدّمت ليوم القيامة من حسن ينجيها أو قبيح يوبقها. والأصل في غد غدو وربما جاء على أصله ثم كرّر توكيدا فقال جلّ وعزّ (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١٩)
يكون نسي بمعنى ترك أي تركوا طاعة الله جلّ وعزّ (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) قال سفيان : أي فأنساهم حظّ أنفسهم. ومن حسن ما قيل فيه أنّ المعنى أنّ الله لما عذّبهم شغلهم عن الفكرة في أهل دينهم أو في خواصهم ، كما قال (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤]. (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي الخارجون عن طاعة الله جلّ وعزّ.
(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (٢٠)
(لا يَسْتَوِي) أي لا يعتدل. (أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) وفي حرف ابن مسعود ولا أصحاب الجنّة تكون «لا» زائدة للتوكيد. (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) أي الذين ظفروا بما طلبوا.
(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)
(مُتَصَدِّعاً) نصب على الحال أي فزعا لتعظيمه القرآن. (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ودلّ بهذا على أنه يجب أن يكون من معه القرآن خائفا حذرا معظّما له منزها عمن يخالفه. (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي يعرفهم بهذا. (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فينقادون إلى الحق.
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (٢٢)
(هُوَ) مبتدأ ، ومن العرب من يسكّن الواو فمن أسكنها حذفها هاهنا لالتقاء الساكنين ، اسم الله جلّ وعزّ خبر الابتداء ، (الَّذِي) من نعته. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في الصلة أي الذي لا تصلح الألوهة إلّا له لأن كل شيء له هو خالقه فالألوهة له وحده (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) نعت ، ولو كان بالألف واللام في الأول لكان الثاني منصوبا ، وجاز الخفض (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) والرحمة من الله جلّ وعزّ التفضل والإحسان إلى من يرحمه.