فصل : لما رأيت جمهور كتب المفسّرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود كشفه حتى ينظر للآية الواحدة في كتب ، فربّ تفسير أخلّ فيه بعلم النّاسخ والمنسوخ ، أو ببعضه ، فإن وجد فيه لم يوجد أسباب النزول ، أو أكثرها ، فإن وجد لم يوجد بيان المكيّ من المدنيّ ، وإن وجد ذلك لم توجد الإشارة إلى حكم الآية ، فإن وجد لم يوجد جواب إشكال يقع في الآية ، إلى غير ذلك من الفنون المطلوبة. وقد أدرجت في هذا الكتاب من هذه الفنون المذكورة مع ما لم أذكره مما لا يستغني التفسير عنه ما أرجو به وقوع الغناء بهذا الكتاب عن أكثر ما يجانسه.
وقد حذرت من إعادة تفسير كلمة متقدمة إلا على وجه الإشارة ، ولم أغادر من الأقوال التي أحطت بها إلا ما تبعد صحته مع الاختصار البالغ ، فإذا رأيت في فرش الآيات ما لم يذكر تفسيره ، فهو لا يخلو من أمرين : إمّا أن يكون قد سبق ، وإما أن يكون ظاهرا لا يحتاج إلى تفسير. وقد انتقى كتابنا هذا أنقى التفاسير ، فأخذ منها الأصحّ والأحسن والأصون ، فنظمه في عبارة الاختصار. وهذا حين شروعنا فيما ابتدأنا له ، والله الموفّق.
فصل في الاستعاذة
قد أمر الله عزوجل بالاستعاذة عند القراءة بقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٩٨) (١) ، ومعناه : إذا أردت القراءة. ومعنى أعوذ : ألجأ وألوذ.
فصل في بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال ابن عمر : نزلت في كل سورة.
وقد اختلف العلماء : هل هي آية كاملة ، أم لا؟ وفيه عن أحمد روايتان ، واختلفوا : هل هي من الفاتحة ، أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان أيضا. فأمّا من قال : إنها من الفاتحة ، فإنه يوجب قراءتها في الصلاة إذا قال بوجوب الفاتحة ، وأمّا من لم يرها من الفاتحة ، فإنه يقول : قراءتها في الصلاة سنّة ، ما
____________________________________
كعب به. وإسناده ضعيف لضعف علي بن زيد ، ويوسف هو ابن مهران لين الحديث ، وثقه أبو زرعة ، وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ويذاكر ، وقال أحمد : لا يعرف. نقله الذهبي في «الميزان» ٤ / ٤٧٤. وقال الحافظ في «التقريب» : يوسف بن مهران ، ليس هو يوسف بن ماهك ، ذاك ثقة ، وهذا لم يرو عنه إلّا ابن جدعان ، وهو لين الحديث. وأخرجه الحاكم ٢ / ٣٣٨ من وجه آخر عن شعبة عن يونس بن عبيد وعلي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران به. وقال : حديث شعبة عن يونس بن عبيد صحيح على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي!. وليس كما قالا ، فقد ظن الحاكم أن الذي في الإسناد هو يوسف بن ماهك ، فذاك روى له الشيخان ، وقد فرّق بينهما ابن حجر كما تقدم ، وكذا الذهبي في «الميزان» ٤ / ٤٧٤. فالإسناد لين ، لكن توبع ، فقد أخرجه ابن أبي داود في «المصاحف» ص ٣٨ من وجه آخر وفيه أبو جعفر الرازي وهو ضعيف الحديث ، لكن يصلح للمتابعة. فالحديث حسن من جهة الإسناد.
ـ ويأتي الكلام على الجمع بين هذه الأحاديث إن شاء الله ، والله أعلم.
__________________
(١) النحل : ٩٨.