فأمّا أهل النظر ، فالعالم عندهم : اسم يقع على الكون الكلّي المحدث من فلك ، وسماء ، وأرض ، وما بين ذلك.
وفي اشتقاق «العالم» قولان : أحدهما : أنه من العلم ، وهو يقوّي قول أهل اللغة. والثاني : أنه من العلامة ، وهو يقوّي قول أهل النظر ، فكأنه إنما سمّي عندهم بذلك ، لأنه دالّ على خالقه.
وللمفسّرين في المراد ب «العالمين» هاهنا خمسة أقول : أحدها : الخلق كلّه ، السّماوات والأرضون ما فيهنّ وما بينهنّ. رواه الضحّاك عن ابن عباس. والثاني : كلّ ذي روح دبّ على وجه الأرض. رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : أنهم الجنّ والإنس. روي أيضا عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، ومقاتل. والرابع : أنهم الجنّ والإنس والملائكة ، نقل عن ابن عباس أيضا ، واختاره ابن قتيبة. والخامس : أنّهم الملائكة ، وهو مرويّ عن ابن عباس أيضا.
قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (٣). قرأ أبو العالية ، وابن السّميفع ، وعيسى بن عمر بالنصب فيهما ، وقرأ أبو رزين العقيليّ ، والرّبيع بن خثيم ، وأبو عمران الجونيّ بالرفع فيهما.
قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٤). قرأ عاصم والكسائيّ ، وخلق ويعقوب : «مالك» بألف. وقرأ ابن السّميفع ، وابن أبي عبلة كذلك ، إلّا أنهما نصبا الكاف. وقرأ أبو هريرة ، وعاصم الجحدريّ : «ملك» بإسكان اللام من غير الألف مع كسر الكاف ، وقرأ أبو عثمان النّهديّ ، والشّعبيّ «ملك» بكسر اللام ونصب الكاف من غير ألف. وقرأ سعد بن أبي وقّاص ، وعائشة ، ومورّق العجليّ : «ملك» مثل ذلك إلّا أنهم رفعوا الكاف. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو رجاء العطارديّ «مليك» بياء بعد اللام مكسورة الكاف من غير ألف. وقرأ عمرو بن العاص كذلك ، إلّا أنه ضمّ الكاف. وقرأ أبو حنيفة ، وأبو حياة «ملك» على الفعل الماضي ، «ويوم» بالنصب. وروى عبد الوارث عن أبي عمرو : إسكان اللام ، والمشهور عن أبي عمرو وجمهور القراء «ملك» بفتح الميم مع كسر اللام ، وهو أظهر في المدح ، لأن كل ملك مالك ، وليس كلّ مالك ملكا.
وفي «الدّين» ها هنا قولان : أحدهما : أنه الحساب. قاله ابن مسعود. والثاني : الجزاء. قاله ابن عباس. ولما أخبر الله عزوجل في قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) أنه مالك الدنيا. دلّ بقوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) على أنه مالك الأخرى. وقيل : إنما خصّ يوم الدّين ، لأنه ينفرد يومئذ بالحكم في خلقه.
قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ). وقرأ الحسن ، وأبو المتوكّل ، وأبو مجلز «يعبد» بضم الياء وفتح الباء. قال ابن الأنباريّ : المعنى : قل يا محمّد : إياك يعبد ، والعرب ترجع من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ؛ كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) (١) ، وقوله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) (٢). وقال لبيد :
باتت تشكّى إليّ النفس مجهشة |
|
وقد حملتك سبعا بعد سبعينا |
وفي المراد بهذه العبارة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها بمعنى التّوحيد. روي عن عليّ ، وابن عباس في آخرين. والثاني : أنها بمعنى الطّاعة ، كقوله : (لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) (٣). والثالث : أنها بمعنى
__________________
(١) يونس : ٢٢.
(٢) الدهر : ٢١ ، ٢٢.
(٣) يس : ٦٠.