وقرأ عاصم ، وابن عامر ، بفتح الراء وقرأ الحسن والأعمش بكسر الراء ، وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، برباوة ، بزيادة ألف ، وفتح الراء ، وقرأ أبيّ بن كعب ، والجحدريّ كذلك ، إلا أنهما ضمّا الراء ، وكذلك خلافهم في «المؤمنين» ، قال الزجّاج : يقال ربوة وربوة وربوة ورباوة. والموضع المرتفع من الأرض ، إذا كان له ما يرويه من الماء ، فهو أكثر ريعا من السّفل. وقال ابن قتيبة : الرّبوة الارتفاع ، وكل شيء ارتفع وزاد ، فقد ربا ، ومنه الرّبا في البيع. قوله تعالى : (فَآتَتْ أُكُلَها) ، قرأ ابن كثير ، ونافع : أكلها. والأكل بسكون الكاف حيث وقع ، ووافقهما أبو عمرو ، فيما أضيف إلى مؤنث ، مثل : «أكلها» ، فأمّا ما أضيف إلى مذكر مثل : أكله؟ أو كان غير مضاف إلى مكنيّ : مثل (أُكُلٍ خَمْطٍ) فثقّله أبو عمرو. وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ جميع ذلك مثقّلا. وأكلها : ثمرها. (ضِعْفَيْنِ) أي : مثلين. فأما «الطّلّ» فقال ابن قتيبة : هو أضعف المطر ، وقال الزجّاج : هو المطر الدائم ، الصّغار القطر الذي لا تكاد تسيل منه المثاعب. قال ثعلب : وهذا لفظ مستقبل وهو لأمر ماض ، فمعناه : فإن لم يكن أصابها وابل فطل ، ومعنى هذا المثل : أن صاحب هذه الجنّة لا يخيب ، فإنها إن أصابها الطّل حسنت ، وإن أصابها الوابل أضعفت ، فكذلك نفقة المؤمن المخلص. والبصير : من أسماء الله تعالى ، معناه : المبصر. قال الخطّابيّ : وهو فعيل بمعنى مفعل ، كقولهم : أليم بمعنى مؤلم.
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦))
قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) ، هذه الآية متصلة بقوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ) ، ومعنى : «أيودّ» أيحبّ ، وإنما ذكر النّخيل والأعناب ، لأنهما من أنفس ما يكون في البساتين ، وخصّ ذلك بالكبير ، لأنه قد يئس من سعي الشباب في إكسابهم.
قوله تعالى : (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) ، أي : ضعاف ، وإذا ضعفت الذّريّة كان أحنى عليهم ، وأكثر إشفاقا (فَأَصابَها) يعني : الجنّة (إِعْصارٌ) وهي ريح شديدة ، تهبّ بشدة ، فترفع إلى السّماء ترابا ، كأنه عمود. قال الشاعر :
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
أي : لاقيت أشدّ منك. فإن قيل : كيف جاز في الكلام أن يكون له جنّة فأصابها ، ولم يقل : فيصيبها؟ أفيجوز أن يقال : أيودّ أن يصيب مالا ، فضاع ، والمراد : فيضيع؟ فالجواب : أن ذلك جائز في «وددت» لأن العرب تلقاها مرّة ب «أن» ، ومرّة ب «لو» ، فيقولون : وددت لو ذهبت عنّا ، ووددت أن تذهب عنا ، قاله الفرّاء ، وثعلب.
فصل : وهذه الآية مثل ضربه الله تعالى في الحسرة بسلب النّعمة عند شدّة الحاجة. وفيمن قصد به ثلاثة أقوال : أحدها : أنه مثل الذي يختم له بالفساد في آخر عمره ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه مثل للمفرط في طاعة الله تعالى حتى يموت ، قاله مجاهد. والثالث : أنه مثل للمرائي في النفقة ، ينقطع عنه نفعها أحوج ما يكون إليه ، قاله السّدّيّ.