ملحفين؟ فالجواب : أن لا ، وإنما معنى الكلام : أنه لم يكن منهم سؤال ، فيكون إلحاف. قال الأعشى :
لا يغمز السّاق من أين ولا وصب |
|
ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر (١) |
معناه : ليس بساقه أين ولا وصب ، فيغمزها لذلك. قال الفرّاء : ومثله أن تقول : قلّ ما رأيت مثل هذا الرجل ، ولعلّك لم تر قليلا ولا كثيرا من أشباهه ، فهم لا يسألون الناس إلحافا ، ولا غير إلحاف. وإلى نحو هذا ذهب الزجّاج ، وابن الأنباريّ في آخرين.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) ، اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :
(١٤٤) أحدها : أنها نزلت في الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله عزوجل ، رواه حنش الصّنعانيّ عن ابن عباس ، وهو قول أبي الدّرداء وأبي أمامة ، ومكحول ، والأوزاعيّ في آخرين.
(١٤٥) والثاني : نزلت في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فإنه كانت معه أربعة دراهم ، فأنفق في الليل درهما وبالنهار درهما ، وفي السّرّ درهما ، وفي العلانية درهما ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وابن السّائب ، ومقاتل.
(١٤٦) والثالث : أنها نزلت في عليّ وعبد الرحمن بن عوف ، فإن عليّا بعث بوسق من تمر إلى أهل الصّفّة ليلا وبعث عبد الرحمن إليهم بدنانير كثيرة نهارا ، رواه الضحّاك عن ابن عباس.
____________________________________
(١٤٤) أخرجه الواحدي في «أسبابه» ١٧٦ عن حنش الصنعاني عن ابن عباس ، وفي إسناده ، عبد الله بن صالح ، وهو ضعيف. وله شاهد عن أبي الدرداء ، أخرجه الطبري ٦٢٣٠ وفيه راو لم يسم ممن يراد بهذه الآية ، لأن الآية خاصة في ذلك ، والله أعلم.
(١٤٥) باطل. أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» ٣٤٤ والواحدي ١٨٠ والطبراني ١١١٦٤ عن عبد الوهّاب بن مجاهد ، عن أبيه ، عن ابن عباس. إسناده ضعيف جدا ، ابن مجاهد متروك ولم يسمع من أبيه كما في «الميزان» وهذا أثر باطل لا أصل له ، ولا يصح عن مجاهد لأنه من رواية ابنه ، ونسبه المصنف لابن السائب. الكلبي ، وهو متروك كذاب. وعزاه المصنف لمقاتل ، وهو كذاب أيضا ، والصواب عموم الآية.
(١٤٦) باطل. عزاه المصنف للضحاك عن ابن عباس ، ولم أر من أسنده إلى الضحاك ، وبكل حال هو أثر ساقط ، الضحاك لم يلق ابن عباس ، ورواية الضحاك هو جويبر بن سعيد ، حيث روى عن الضحاك عن ابن عباس تفسيرا كاملا ، وجويبر متروك متهم. فهذا خبر ساقط ، لا أصل له.
ـ والصواب عموم الآية ، وأن الآية في كل من يتصف بذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) في «اللسان» : الغميزة : العيب وليس في فلان غميزة أي ما فيه ما يغمز فيعاب به ولا مطعن. والأين : الإعياء والتعب ، والشرسوف : أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن. والصّفر : دابة تعض الضلوع والشراسيف ، وقيل الصّفر هاهنا الجوع.