(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) ، الرّبا : أصله في اللغة : الزّيادة ، ومنه الرّبوة والرّابية ، وأربى فلان على فلان : زاد. وهذا الوعيد يشمل الأكل ، والعامل به ، وإنما خصّ الآكل بالذّكر ، لأنه معظم المقصود.
(١٤٧) وقد صحّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنه : «لعن آكل الرّبا وموكله وشاهديه وكاتبه».
قوله تعالى : (لا يَقُومُونَ) ، قال ابن قتيبة أي : يوم البعث من القبور. والمسّ : الجنون ، يقال : رجل ممسوس. فالناس إذا خرجوا من قبورهم أسرعوا ؛ كما قال تعالى : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) (١). إلا أكلة الرّبا ، فإنهم يقومون ويسقطون ، لأن الله أربى الرّبا في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم ، فلا يقدرون على الإسراع. وقال سعيد بن جبير : تلك علامة آكل الرّبا إذا استحلّه يوم القيامة. قوله تعالى : (ذلِكَ) ، أي : هذا الذي ذكر من عقابهم (بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) ، وقيل : إن ثقيف كانوا أكثر العرب ربا ، فلما نهوا عنه ؛ قالوا : إنّما هو مثل البيع.
قوله تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، قال الزجّاج : كلّ تأنيث ليس بحقيقيّ ، فتذكيره جائز ، ألا ترى أن الوعظ والموعظة معبّران عن معنى واحد؟ قوله تعالى : (فَلَهُ ما سَلَفَ) ، أي : ما أكل من الرّبا. وفي قوله تعالى : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) ، قولان : أحدهما : أن «الهاء» ترجع إلى المربي ، فتقديره : إن شاء عصمه منه ، وإن شاء لم يفعل ، قاله سعيد بن جبير ، ومقاتل. والثاني : أنها ترجع إلى الرّبا ، فمعناه : يعفو الله عمّا شاء منه ، ويعاقب على ما شاء منه ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ) ، قال ابن جبير : من عاد إلى الرّبا مستحلّا محتجّا بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا)
(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (٢٧٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٧))
____________________________________
(١٤٧) صحيح. أخرجه مسلم ١٥٩٨ وأحمد ٣ / ٣٠٤ والبيهقي ٥ / ٢٧٥ وأبو يعلى ١٨٤٩ من طرق عن جابر قال : «لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهديه» وقال : «هم سواء».
ـ ويشهد له ما أخرجه أحمد ١ / ٤٠٩ و ٤٣٠ و ٤٦٤ و ٤٦٥ ، والنسائي ٨ / ١٤٧ وابن حبان ٣٢٥٢ وأبو يعلى ٥٢٤١ وعبد الرزاق ١٥٣٥٠ وابن خزيمة ٢٢٥٠ والحاكم ١ / ٣٨٧ ـ ٣٨٨ وعنه البيهقي ٩ / ١٩ من طرق عن عبد الله بن مسعود قال : «آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهداه إذا علموا به والواشمة والمستوشمة للحسن ، ولاوي الصدقة والمرتد أعرابيا بعد هجرته ملعونون على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم يوم القيامة».
__________________
(١) المعارج : ٤٣.