قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) فيه قولان : أحدهما : أن معنى محقه : تنقيصه واضمحلاله ، ومنه : محاق الشهر ، لنقصان الهلال فيه. روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير. والثاني : أنه إبطال ما يكون منه من صدقة ونحوها ، رواه الضحّاك عن ابن عباس. قوله تعالى :
(وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) ، قال ابن جبير : يضاعفها. والكفّار : الذي يكثر فعل ما يكفر به ، والأثيم : المتمادي في ارتكاب الإثم المصرّ عليه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) في نزولها ثلاثة أقوال :
(١٤٨) أحدها : أنها نزلت في بني عمرو بن عمير بن عوف من ثقيف ، وفي بني المغيرة من بني مخزوم ، وكان بنو المغيرة يأخذون الرّبا من ثقيف ، فلمّا وضع الله الرّبا ، طالبت ثقيف بني المغيرة بما لهم عليهم ، فنزلت هذه الآية ، والتي بعدها ، هذا قول ابن عباس.
(١٤٩) والثاني : أنها نزلت في عثمان بن عفّان ، والعبّاس ، كانا قد أسلفا في التّمر ، فلما حضر الجذاذ ، قال صاحب التّمر : إن أخذتما ما لكما لم يبق لي ولعيالي ما يكفي ، فهل لكما أن تأخذوا النصف وأضعّف لكما؟ ففعلا ، فلما حلّ الأجل ، طلبا الزيادة ، فبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فنهاهما عليهالسلام ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول عطاء وعكرمة.
(١٥٠) والثالث : أنها نزلت في العبّاس وخالد بن الوليد ، وكانا شريكين في الجاهلية وكانا يسلفان في الرّبا ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الرّبا ، فنزلت هذه الآية ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ألا إنّ كلّ ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العبّاس» هذا قول السّدّيّ.
قال ابن عباس ، وعكرمة ، والضحّاك ، إنما قال : (ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) لأن كلّ ربا كان قد ترك ، فلم يبق إلا ربا ثقيف. وقال قوم : الآية محمولة على من أربى قبل إسلامه ، وقبض بعضه في كفره ، ثم أسلم ، فيجب عليه أن يترك ما بقي ، ويعفى له عمّا مضى. فأمّا المراباة بعد الإسلام ، فمردودة فيما قبض ، ويسقط ما بقي.
____________________________________
(١٤٨) أخرجه أبو يعلى ٦٦٨ ومن طريقه الواحدي في «أسباب النزول» ١٨٣ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وإسناده ضعيف جدا ، الكلبي متروك ، وأبو صالح متروك في حديثه عن ابن عباس ، وذكره الهيثمي في «المجمع» ٤ / ١١٩ ـ ١٢٠ وقال : رواه أبو يعلى وفيه محمد بن السائب الكلبي ، وهو كذاب اه.
وذكره ابن حجر في «المطالب العالية» ٣٥٣٧ ونقل الشيخ الأعظمي عن البوصيري تضعيفه للكلبي! مع أنه متروك متهم. وأخرجه الطبري ٦٢٥٧ عن ابن جريج بنحوه ، وأتم. وورد عن عكرمة مع أثر ابن جريج عند الطبري ، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها والله تعالى أعلم. وانظر «فتح الباري» ٤ / ٣١٣.
(١٤٩) ذكره الواحدي ١٨٤ عن عطاء وعكرمة بدون إسناد ، ولم أره عند غيره ، فهو لا شيء ، وذكر عثمان في هذا الخبر باطل لا أصل له ، وأما ذكر العباس ، فله ما يؤيده ، وانظر ما بعده.
(١٥٠) هو في «أسباب النزول» ١٨٥ للواحدي عن السدي بدون إسناد. وأخرجه الطبري ٦٢٥٦ عن السدي ، وليس فيه اللفظ المرفوع ، وهذا مرسل. واللفظ المرفوع منه صحيح ، ورد في أحاديث أخر.